الموضوع: بأقلامهم
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-07-2013, 02:18 PM   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
إحصائية العضو

مزاجي:










عبدالله أبوعالي غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
عبدالله أبوعالي is on a distinguished road


 

«إن شاء الله» للكندية لافاليت..
لا نستطيع أن نكون شهوداً فقط


لقطة من «إن شاء الله» للكندية انايس باربو لافاليت

كتب / زياد الخزاعي

"هذه ليست حربك"، تقول المجنّدة الإسرائيلية أفا إلى صديقتها الطبيبة الكندية كلوي، لتُبذِر في وجدانها السؤال الأخطر: مَنْ الوحشي على جانبي الجدار السيئ الصيت؟ بطلة "إن شاء الله" للكندية أنايس باربو لافاليت طبيبة متطوّعة، تركت رفاهية مقاطعة كيبيك كي تعايش، صباحاً، نساء مخيم فلسطيني عند حافة رام الله، قبل أن تؤوب ليلاً إلى شقتها في القدس المحتلة، ممتحنة إنسانيتها عبر ضيوم الحواجز الإسرائيلية. تساكن هذه الوافدة عالمين متناقضين: الأول، نظامي ورغيد وآمن. الثاني، مكتظّ وقذر وعلى قدر كبير من الجَور. قاطنوه سجناء بين جدار غاشم ومستعمرة إسرائيلية تلقي زبالتها كي يعتاش عليها "أوغاد فلسطينيون"، غالباً ما يوجّهون حجارتهم إلى دوريات احتلال تغتال مصفّحاتها لاحقاً صبياً، يُشعل استشهاده انتفاضة صغيرة.
تكمن قوة كلوي، كنموذج لعشرات النشطاء الغربيين المدافعين عن الحقّ الفلسطيني، في إيمانها بأن خدماتها أكثر من تعهُّد، بأنه مصير ينتظر إعلان خياره النهائي. إحسانها الشخصي، الشاهد على الجريمة الإسرائيلية اليومية، لن يقف عند حدود مهنتها، إذ لا بدّ للذمة الإنسانية النّقية من استكمال تضحيتها واستجماع نصرتها المطلقة ضد العسف والقتل والإلغاء. "فلسطينية" الطبيبة الكندية لن تتشكّل بترديد كلمات عربية وحسب، بل تُصبح جزءاً من مرارات الناس العاديين المحاصرين والمكلومين بآمانهم ولقمتهم وحقيقة وجودهم. عليه، تُرغم البطلة الشابة، وهي تصوّر صديقتها المجنّدة بهاتفها الجوال في أحياء القدس، على توجيه التحية الآتية: "قولي مرحباً فلسطين"، فتردّد الأخيرة الاسم كأنه لا يمتّ بهوية، يُجبرها التزامها العسكري يومياً على تفحّصها بريبة أزلية.
تفتتح باربو لافاليت فيلمها بانفجار وسط مقهى مقدسي. نحتاج إلى مئة دقيقة أخرى كي نعرف مَنْ نفّذه، وماهية الظروف التي تقف خلفه. قبل هذا، تعرّفنا بكلوي وهي تنتقل من "إسرائيل" إلى "فلسطين". فالحاجز المكتظ ليس حدوداً جغرافية وحسب، بل إقرار أن الخريطة الدولية تحتمل التجزئة. بيد أنها غير مستعدة لسماع الاسم الأخير والاعتراف به. في تلك الـ"إسرائيل"، نشهد غربة كلوي (أفلين بروشو)، على الرغم من حفلات المقاصف الليلية، وكثرة أصدقائها، وحديثها المتهافت مع والدتها عبر الـ"سكايب"، ومناكفاتها مع أفا. ترغمها ظروف الحصار ومنع التجوّل الإسرائيليَّين على الاحتماء بفلسطينية عائلة الشابة رند (الممثلة المغربية صبرينا وزاني) الحامل بأسابيعها الأخيرة، والمنتظرة إطلاق سراح زوجها من معتقلات الاحتلال. شقيقها فيصل (يوسف سويد)، مدير مطبعة ملصقات الشهداء، مُقابلٌ فتيٌّ لندماء كلوي على الطرف الآخر. شاب عقلاني، ملتزم قضيته وأصوله التي لمّح الفيلم إلى إسلامويتها المضمرة، تشي بها صورة كبيرة لمؤسّس حركة "الإخوان المسلمين" حسن البنا، معلّقة عند باب الدارة المتواضعة. تقع كلوي في بهجة حنان أسري مفتقد، يُحيلها إلى مقارنة سريعة بين بَطِر نعمة كانت تعيشها، وضنك حياة بائسة حوّلت أناساً عزّلاً إلى كيانات جبّارة في تحمّلها وعنادها. تنقلب حياة الطبيبة الكندية عندما تفشل في إقناع جندي إسرائيلي السماح لرند بعبور الحاجز وهي في مخاضها الأخير. مع موت الوليد، تصاب كلوي في صميمها. أزف قرار انحيازها النهائي، وتقبل تهريب عبوة ناسفة. لاحقاً، نتابع ظهر شابة مع حقيبة. تجلس في مقهى مقدسي، قبل أن تُفجّر نفسها: إنها رند تنتقم لوليدها المُجهَض.
تبرّر باربو لافاليت (1979) ورطة كلوي بالقول إن "شخصيتها، مع مرور الوقت، أصبحت ساحة معركة. ابتلعتها الحرب. لم يعد بإمكانها أن تكون شاهدة فقط. هذا ما أردت التعبير عنه. في وضع كهذا، تنهار جدراننا الواقية. كل شيء يجعلنا في ما نحن عليه مُهدّد. هذه هي الحرب. تستطيع اختراقنا وتدميرنا. نحن غير محصّنين ضدها". هذا الوعي، تشكّله المخرجة الكندية بصورة رمزية حادة في المشهد الختامي، حينما يفتح صبي فلسطيني يرتدي زيّ الشخصية الكارتونية "سوبرمان"، ثقباً في جدار العار الإسرائيلي.

 

 

   

رد مع اقتباس