عرض مشاركة واحدة
قديم 05-10-2011, 10:37 PM   رقم المشاركة : 4

 

الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، وعلى آلهِ وأصحابِه ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ: فاعلموا -عبادَ الله- أنّنا إذا اتفقنا على ضرورةِ الأخذ بمبدأ الوقايةِ والإقرارِ به فإنَّ المشكلة حينئذٍ لن تكونَ في: كيف نقِي أنفسنا؟ وإنما هي في: متى نقِي أنفسنا ومجتمعنا؟ لأنه متى دبَّ في النفوسِ داءُ التسويف والتأجيلِ فإنَّ القابليَّة للمفاجآت والطوارقِ أشدُّ تواجُدًا، وإذا كانت المقولة المشهورة تقول: "لا تُؤجِّل عملَ اليوم إلى الغدِ"، فإنَّ لسانَ حال كثيرٍ من الناس يقول: "لا تُؤجِّل إلى الغد ما تستطيع أن تفعله بعد غدٍ"، وكأنَّ الدنيا -عباد الله- بلا صُروفٍ ولا غِيَر ولا قوارع، ولقد أحسن من قال:
مــا عند يومي ثقةٌ لي بغدِ لا بُدَّ من دار خلودِ الأبدِ
فحذارِ -عباد الله- أن يتسلَّلَ بعضُنا لِواذًا بداءِ التسويف في زمنٍ يتَحتَّمُ فيه العزمُ والعملُ على التهذيب والتربية على مبدأ الوقاية الذي ينقِل من السوء إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن.
وإذا كانت الغايةُ نبيلةً فإنَّ مبدأ الوقاية سيكون محورُه العدلَ في جميع السُّبُل، فلا يمكن أن يتجاوزَ جمهورُ الناس في عمَلهم ما يُسمُّون به حقًّا للغير، وسيكون المصبُّ الأخير في القيمة المُطلقة التي تُؤلِّف بين أفرادِ المجتمع الواحدِ في منظومةٍ واحدةٍ يعمُّها مِعيارٌ واحد؛ ليُؤدِّيَ كلٌّ منهم عملَه لبقاءِ البِنْية الجامعة للمجتمع الواعي بلا فُتوق؛ كلٌّ في مجالِ عملِه وتخصُّصه وما انتهى إليه علمُه. فلا ينبغي أن يُطلَبَ من العين أن تبطِش وهي للإبصَار، ولا مِن الأذن أن تمشِي وهي للسَّمع، وإلا لأصبَحنا كمن يأكل المِلح ليدفَع به العطَش، أو يشرب الماء ليدفع به الجوعَ، أو يستنشق الغاز ليتنفَّس.
ألا وإنَّ لكل سفينةٍ ملاَّحًا، وإذا غَابَ ملاَّحُ السّفينة وارتمَت بها الريحُ يومًا دبَّرَتها الضّفادِع، وإنَّ أيَّ أمةٍ يكون الواقي والدافعُ فيها إنما هم بنوها من أفرادها إلى قادتها، ويكون كلُّ واحدٍ منهم آخِذًا بحقِّ الكلّ، لا يقصد مقصدًا بعكس مقصدِ السوادِ الأعظم، ولا غايةً تميلُ به عن غايَتهم، فهي الأمّة التي علا فيها التكامُل وحُسن الانتماءِ وتحقيقُ المصلحة المُشتركة التي يسعَى بذِمَّتهم فيها أدناهم، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التوبة: 115].
هذا، وصلُّوا -رحمكم الله- على خير البرية وأزكى البشرية...

 

 

   

رد مع اقتباس