عرض مشاركة واحدة
قديم 05-16-2011, 02:57 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

خطبة الجمعة 10/6/1432 من المسجد الحرام بمكة المكرمة
لفضيلة الشيخ / اسامة خياط

الخطبة الأولى
الحمد لله فالق الحبِّ والنوى، أحمده - سبحانه -، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالقُ الأرض والسماوات العُلى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله النبيُّ المُجتبى والرسولُ المُرتضى والحبيبُ المُفتدَى، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أئمة الهُدى ونجوم الدُّجَى.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [البقرة: 281].
أيها المسلمون:
عندما تُحدِقُ الأخطار وتعظُم الخُطوب وتُطِلُّ الفتنُ برؤوسها ينظرُ أولو الألباب إلى الشباب نظرَ أصحاب الثروات إلى ثرواتهم، فيرون لزامًا عليهم المُسارعة إلى سلوك كل سبيلٍ يبلُغُون به ما يريدون من الحِفاظ عليهم والذبِّ عنهم بما يحفظُ الحَوزَة، ويردُّ الغائلة، ويدفعُ الصَّولة، ويدرأُ العُدوان؛ ذلك أن للحفاظ على شباب الأمة أعظمَ الآثار في صيانة كِيانها وإعلاء صُروح نهضتها لتأخذ مكانها اللائقَ بها بين الأمم، ولتكون كما أراد الله: [آخَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ل عمران: 110].
وإنما يكون ذلك بكمال العناية بهم، وجمال الرعاية لهم؛ لأنها من أقوى البواعِث على امتلاك القلوب، والأخذ بمجامع النفوس.
وكما تكون هذه العناية والرعاية غرسًا لصحيح العقيدة، وحراسةً لشرائع الدين بالعلم والعمل، وبذرًا لمحاسن الأخلاق، وتعويدًا على صالح العادات والمُفرَط من المثالب والمعايب وكل ما يُعتَذر منه؛ تكون أيضًا بحُسن تعهُّدهم في باب المُصاحبة والمُجالسة والمُعاشَرة؛ لأنها من أعظم الأسباب فيما يكون من تقدُّم أو تأخُّر، ونجاحٍ أو إخفاقٍ، وقلقٍ أو اطمئنان.
ولما كان للصاحب أو الجليس أثرُه العميق في نفس صاحبه وجليسه فإن من الحكمة البالغة: الاحتياط في أمره، والتريُّث في وصل حبل وُدِّه حتى تُبلَى أخبارُه، ويتميَّز معدِنُه، ويُوثَق بدينه وخُلُقه.
وقد عبَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا أبلغَ تعبيرٍ؛ فقال في مقام التبصير والتحذير: «المرءُ على دين خليلِه؛ فلينظُر أحدُكم من يُخالِل»؛ أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود، والترمذي واللفظُ له، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بإسنادٍ حسنٍ.
لأن الطبع يسرقُ من الطبع، وسُرعان ما يمضِي المرءُ في الطريق الذي يُؤثِره ويختارُه جليسُه، ولذا صوَّر نبيُّ الرحمة - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى في مثلٍ نبويٍّ بليغٍ؛ فقال: «مثلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحالِ المِسكِ ونافخِ الكِير؛ فحامِلُ المِسك إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاعَ منه، وإما أن تجِدَ منه ريحًا طيبة، ونافخُ الكِير إما أن يُحرِقَ ثيابَك، وإما أن تجِدَ ريحًا خبيثة»؛ أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -.
فأما إن كان الجليسُ ممن يسُدُّ الخَلَّة، ويغفرُ الزَّلَّة، ويُقيلُ العَثْرة، ويستُر العَورة، ويقودُ جليسَه إلى الخير ويُراقِبُه فيه، ويُعينُه عليه، ويُزيِّنُ له الطاعة، ويُقبِّح له المعصية، ويحُولُ بينه وبينها بتذكيره بما تعودُ عليه من ذلٍّ وخِزيٍ وعقابٍ في الدنيا والآخرة؛ فذلك هو الجليسُ الصالحُ الذي يسعَدُ به جليسُه، وتحسُنُ بمجالسته عاقبتُه.
وأما إن كان الجليسُ ممن يُزيِّنُ القبيحَ، ويُحسِّن السوءَ من الأقوال والأفعال والعقائد الفاسدة، والنِّحَل الضالة، ويحُثُّ على الانضواء تحت لوائها، والتردِّي في وَهدتها؛ فذلك هو الجليسُ السوء الذي يشقَى به جليسُه؛ لأنه كان وبالاً عليه؛ إذ أطاعه وأسلمَ إليه قِيادَه، فانتهى به إلى البوار وعذاب النار، فقرَعَ سِنَّ الندم حين لا ينفعُ ندم، وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا [الفرقان: 27 - 29].

 

 

   

رد مع اقتباس