عرض مشاركة واحدة
قديم 08-22-2011, 12:02 PM   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

التوبة والعشر الأواخر من رمضان
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة 19/9/1432هـ بعنوان: "التوبة والعشر الأواخر من رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن التوبة وأهميتها وضرورتها لكل مسلم محبٍّ لله تعالى، ومُتَّبعٍ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبيَّن إقبال الأيام الأخيرة من رمضان وهي الأيام التي يُستحبُّ فيها الاجتهاد والإقبال على الله تعالى بصنوف العبادات والطاعات، وذكَّر في الخطبة الثانية بإنجازات الدولة السعودية من لدُن الملك عبد العزيز - رحمه الله - إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - خادم الحرمين الحالي، ومدى حزم وعزم هؤلاء الملوك في القيام بنهضة الدولة السعودية في كل مجالاتها.

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله وهو الكريم أسبغَ علينا نعمَه باطنةً وظاهرةً، والحمد لله وهو الرحيم لم تزَل ألطافُه علينا مُتظاهرة، والحمد لله وهو العزيز ذلَّت لعزَّته رِقابُ الجبابرة، أحمده - سبحانه - وأشكره وهو الشكور دامَت علينا نعمُه مُتكاثرةً مُتوافرةً مُتواترة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تُنجِي صاحبها في الدار الآخرة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله المُؤيَّد بالآيات الكُبرى والمُعجِزات الباهرة، صلَّى الله وسلَم وبارَك عليه وعلى آله العِترة الطاهرة، وعلى أصحابه النجوم الزاهِرة، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عز وجل -، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فكفى بالله مُحبًّا ومحبوبًا، وكفى برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قدوةً ومتبوعًا، وكفى بالقرآن مُؤنِسًا ورفيقًا، وكفى بالموت واعِظًا، وكفى بخشية الله علمًا.
علامة الدين: الإخلاص لله في السر والعلَن، وعلامة الشكر: الرضا بالقضاء والقدر، وعلامة الحب: كثرة ذكر المحبوب؛ فاتبع - يا عبد الله - ولا تبتدع، وتواضَع ولا ترتفع، ومن ورِع لا يتسع، وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ[القصص: 60].
أيها المسلمون:
استقامةُ النفوس وإصلاحُها، وتزكيةُ القلوب وتطهيرها مسالكُ تفتحُ أبوابَ الأمل من أجل حياةٍ أفضل ومسيرةٍ أزكى، النفوس لا تُحقِّق عزَّتها، والقلوب لا تُحصِّل سكينتَها إلا إذا تذلَّلَت لربها راضية، وخضعَت لخالقها راغِبة، وأقبلَت على مولاها خائفة، وسارَت إليه مُشفِقةً وجِلة؛ لتنالَ الأمنَ وتذوقَ لذَّة المناجاة، وحينئذٍ تطمئنُّ النفوس، وتنشرِحُ الصدور، وتستنيرُ القلوب، فالله - سبحانه - عند المُنكسِرة قلوبهم، الصادق تذلُّلهم.
أيها المسلمون، أيها الصائمون:
وهذه وقفةٌ مع عبوديةٍ من أحب العبوديات إلى الله وأكرمها عنده، عبوديةٌ تُنتِجُ للعبد آثارًا عجيبة من المقامات والمنازل، تُنتِج المحبة والرِّقة والانكسار والحمدَ والرضا والشكرَ والخضوعَ لله - عز وجل -.
عبوديةٌ قال فيها أهل العلم: "إنها من مهمات الإسلام وقواعده ومقاماته المتأكدة".
منَّةٌ من الله ونعمة لا تدَع ذنبًا إلا تناوَلَته، ولا معصيةً إلا محَتها، ولا تقصيرًا إلا جبَرَته، هذه العبودية وهذه المنَّة الإلهية والمنحةُ الربانية نهرٌ نميرٌ طاهرٌ يتطهَّرُ به العبدُ من أدرانه، إنها التوبة - يا عباد الله -، إنها العودة الغانمة، والتجارة الرابحة، والرياضُ التي لا يذبُلُ زهرُها.
التوبة - تقبَّل الله صيامَكم وقيامَكم - رجوعٌ إلى الله بالتزام فعل ما يحب باطنًا وظاهرًا، وترك ما يكره باطنًا وظاهرًا، دعاءٌ وتضرُّع وتذلُّل وإقرارٌ بحول الله وقوته، وقدرته ومشيئته، وعدله وحكمته، وفضله ورحمته، واعترافٌ بالضعف البشري والتقصير والحاجة.
التوبة - أيها التائبون -: ترك الذنب علمًا بقُبحه، وندمًا على فعله، وعزمًا على عدم العودة إليه، وتدارُكًا للأعمال الصالحة من غير تردُّدٍ أو انتظارٍ أو يأس، في إخلاصٍ لله وما عنده من عظيم الثواب وخوفٍ من أليم العقاب.
إخوة الإيمان:
وكل عبدٍ مُحتاجٌ إلى التوبة، مُفتقِر إلى الإنابة، فلا يُتصوَّر أن يستغنِي عنها أحد مهما بلغَ مقامُه، ومهما كانت طاعتُه وصلاحُه؛ بل هي خُلُق الأنبياء والمرسلين، فهي تُصاحبُ البشرية منذ أبيهم آدم - عليه السلام -: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[البقرة: 37]، قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23].
ونبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس! توبوا إلى الله؛ فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة».
معاشر الصائمين والصائمات:
بالتوبة النَّصُوح ينتقلُ العبدُ من المعصية إلى الطاعة، ومن الضعف إلى القوة، ومن الهَدم إلى الإصلاح، ومن الظلم إلى العدل والرحمة والإحسان، التوبة سدٌّ عظيمٌ أمام الفساد والمُفسِدين يعرِضها الإسلام على الكفار وعلى المحاربين والمرتدين وعلى كل المُفسِدين في الأرض مهما بلغَ كفرُهم وفسادُهم وطغيانُهم: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ[الأنفال: 38]، وفي المحارِبين والمُفسِدين: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[المائدة: 34].
بالتوبة الصادقة يتطهَّر المجتمع من المآثِم والجرائم ليقلَّ خطرُها ويُحاصَر أثرُها، بالتوبة يتجسَّد للعبد ذلُّ الحاجة، وذلُّ الطاعة والعبودية، وذلُّ المحبة والانقياد، وذلُّ المعصية والخطيئة، ومن اجتمع له ذلك كلُّه فقد خضَع لله تمام الخضوع، وحقَّق العبوديةَ والاستكانة.
وهل يُسكِنُ تأنيبَ الضمير وأوجاعَ النفوس إلا التوبة والذكر والاستغفار: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[الرعد: 28].

 

 

   

رد مع اقتباس