عرض مشاركة واحدة
قديم 10-04-2009, 12:25 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road

ما الذي افتقدته وما الذي تغير


 





كان آخر رمضان امضيته في مسقط رأسي قرية ( العبالة ) رمضان عام 1392هـ (وكان مخارما والسبب طيش الشباب والساردين الأحمر الطويل ) واسألوا البرق وشعب جعملة أما ابا رمزي فقد كان فقيها منذ صغره حيث كان يردد ( كل عمل إبن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا اجزي به ) سقى الله تلك الأيام وأهلها ،، ،،،، أخذتني بعد ذلك الأسفار إلى أن كتب الله لي الصوم في القرية مرة أخرى هذا العام 1430 هـ فما الذي افتقدته في ال 38 عاما الماضية وما الذي وجدته في القرية متغيرا ؟

صليت العشاء والتراويح ليلة واحدة في مسجد القرية فلاحظت فيه رجلا هو الوحيد المتبقي من الجيل الذي فتحت عيني على الدنيا فوجدته امامي ( جيل الآباء ) الذي كان يمثل نقاء السريرة والطهر في نظري ، جيل انقرض برمته فلم يتبق منه سوى العم ( أحمد بن عبد الله بن منصور ) أحسن الله لنا وله الخاتمة فكان هذا أهم ما افتقدت.


انزويت بعد التراويح في زاوية المسجد لأعطي لذاكرتي فسحة استعادة شريط الأحداث بالصوت والصورة لأثنين وثلاثيين هامة ترددت على هذا المسجد أمام ناظري ( في الصلوات العادية وليس الجمعة ) ثم غيبها التراب في وقت وجيز بعضها يرقد على بعد امتار مني والبعض الآخر على بعد مئات الكيلومترات وهم جميعا من قرية واحدة فكيف لو استعرضت بقية القرى المجاورة ؟

افتقدت أيضا صوت المدفع الذي كان يصلنا مع مغرب كل ليلة في رمضان من الباحة لينساب بعد ذلك صوت أذان الخال علي بن قسقس في العبالة وصوت العم مسفر رمزي في المناشلة وصوت العم مسفر الزبير في الباردة وصوت العم سعيد بن هضبان في المردد وصوت العم صالح بن حمدان بن جحيش أو العم حسن بن يحي أو الخال مسفر الصاغي في الحلة ومن دون مكبرات للصوت .

عادت بي الذاكرة قليلا للوراء أي قبل ذلك التاريخ بسنوات لا تتجاوز الخمس 1387هـ لأستعيد صوت أحد الأجداد وهو الشخص الذي كنت أحبه ويحبني كثيرا ( الجد محمد غرامة ) رحمه الله حيث كان يعترض على إمام المسجد ( الوالد علي دغسان ) رحمه الله عندما اقترح أن يقراء بصفحة من القرآن الكريم في كل ركعة تراويح حيث قال ( والله ما عد بكم إلا إنحن ياذا ماعد نقدر ، ودكم تحرمونا الصلاة معكم ) وبالفعل فقد توفي رحمه بعد رمضان مباشرة ( ثامن العيد قبل صلاة العصر من يوم أحد ) وللمعلومية لم يكن هناك كراسي يصلي عليها كبار السن ولم نكن نعرفها في القرى آنذاك .وبالمناسبة فقد كان الإمام قبل ذلك التاريخ يقراء بسورة من قصار المفصل في الركعة الأولى من التراويح إبتداء من الزلزلة وفي الركعة الثانية بسورة الإخلاص وهكذا دواليك إلى أن ينتهي الشهر .


إفتقدت الحنابل وقبلها الخصف الذي كان يفرش ارضية المسجد الترابية وكذا الفانوس الأزرق الكبير الذي كان معلقا فوق رأس الإمام وترسم أشعته أخيلة مكبرة لوجوه المصلين القريبين منه على جدار الحائط غير المستوي والمشيد بالطين والنُّورة وتعلوه ( أي الجدار ) طباقات من الغبار الناعم المتراكم كنتاج حتمي لقلة النظافة .

افتقدت جالوق التمر الذي كان يحضره العم سعيد بن شويل رحمه الله في بداية رمضان ويقفل عليه فيما كان يسمى بمدرسة المسجد إلى أن يحين وقت الإفطار ليتناول كل صائم حبات منه مع شربة ماء ليس معها شئ من المحذقات الأخرى المتعارف عليها الآن .

افتقدت بجاد الجد حمدان بن جميلة الأحمر الذي لم يكن يفارقه حتى في ( الفيحة ) وجلسات كبار السن في ساحة المسجد من بعد صلاة العصر وحتى صلاة المغرب وقبل ذلك وبعده أصوات صريف المحال التي كانت تصدر من رؤس الآبار وحركة النساء الدائبة في الطرقات من وإلى الآبار لجلب الماء على ظهورهن ثم بندقيتي الأستاذ أحمد التابعي ( رحمه الله ) ورفيق العمر عبد الله رمزي ( الساكتون الهوائية ) والتي كانا يطاردان بها (الفرفر) لتمضية عصرية الصيام الطويلة .


اما التغيرات التي وجدتها :


فقد لاحظت أن دعاء القنوت في صلاة الوتر يكاد يكون كل ليلة على عكس ما كان عليه الأمر في تلك الفترة إذ لم يكن يقنت الإمام إلا من ليلة النصف في رمضان وحتى نهاية الشهر .

لاحظت أن جميع ائمة المساجد حاليا من مطبقي التجويد في القراءة وهو مالم يكن متوفرا في ذلك الوقت حيث لم يكن هناك مدارس لتحفيظ القرآن الكريم في المنطقة .

من الملاحظات ايضا أنك لاتكاد تجد الآن طريقا ترابيا في القرية بعد أن تم تعبيد جميع الطرق والساحات التي يسلكها المارة .

الشئ الجميل الملفت للنظر هو رؤية النساء يترددن على دور العبادة في صلاتي التراويح والقيام وهو مالم يكن معهودا في تلك الأيام مما يدل على تغير كثير من المفاهيم التي كانت تنتقص من دور المرأة حتى في عبادتها وصلتها بخالقها سبحانه وتعالى .

أشياء جميلة حدثت وأشياء ووجوه جميلة اختفت وسبحان من لايتغير ولا يفنى ولا يموت .

 

 

   

رد مع اقتباس