عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2012, 12:50 AM   رقم المشاركة : 85
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

{ سفر ملاسي إلى الهند أمنية لم تتحقق }


المشهد الأول :

أشعة الشمس الذهبية صبيحة يوم سبت تشق طريقها بين ارتال الغيوم لتنشر الدفء في أرجاء قرية العبالة والقرى المجاورة لها في الوقت الذي استعد فيه مرتادو سوق الغشامرة الأسبوعي للانطلاق إلى السوق لقضاء حوائجهم والتزود بما يكفيهم لبعض الوقت من المؤن والمتطلبات قبل ( البَغْرَة ) وما يسبقها من ( نقل الدّمون ) ثم ( فتق ) الاراضي الزراعية في انتظار موسم يأمل فيه الجميع من الله تعويض ما أتت عليه ( القرّة ) واتلفته من محصولهم من القمح في الموسم الماضي وفي طريق عودة أحدهم من السوق مرّ على غير عادته على عميد بيت الجميلة وكبير العائلة الشيخ ( حمدان آل جميلة ) رحمه الله حاملا له رسالة شفهية من شيخ القبيلة الشيخ سعيد بن صقر الذي قابله في ( البندر ) ومفاد تلك الرسالة أن الشيخ سيكون في زيارة لهم يوم الأربعاء القادم ،

المشهد الثاني :

قصر الجميلة الواقع في وسط القرية ،صاحب الرقعة المساحيّة التي تمتد من شرق القرية إلى غربها والذي لا يكاد يوجد مثيلا له فيها من حيث القدرة الأستيعابية وكرم الضيافة وسعة صدور أهله وبشاشتهم كان محط رحال الشيخ ووجهته على الدوام بل وملهم الشعراء ومثار اعجابهم ومنه انطلقت كثير من الروائع الشعرية حينها ومنها على سبيل المثال ( حيّ الله شيخا معه ظنّه وراموسا ) و ( ياقاطف البرك م الحوض انق شعبيّته ) وما نحن بصدده الآن من ( حيّ الله قصرا وثيقة سامته والربوع ) .

المشهد الثالث :

ساحة المسجد التي اعدت مستراحا للمصلين ومكانا لتداول الآراء حيث ترى الجباب البيضاء ( جمع جبه ) والأبجدة الحمراء ( جمع بجاد ) ومشالح الوبر الثقيلة وهي تتدلى من على اكتاف مرتديها وتقطر ماء في أحيان كثيرة من واشقة مطر تشرءبّ معها الأعناق وتتسع عندها الأحداق مبحلقة في وجه الإمام الذي يدرك مبتغى أهلها وهو ( الجمع ) بين الصلاتين ( المغرب والعشاء ) على الأرجح فيحققه لهم لعل وقت الراحة يطول ولايقطعه مشوار آخر إلى الجامع ،

يدخل ملاسي إلى الساحة قادما من الوادي قبيل المغرب بدقائق مرتديا معطفه الأسود القديم ذو الخطوط البيضاء وغترته الكريشي المربوطة بإحكام على أم رأسه وبعد القائه السلام على من كان فيها يبادره كبير عائلة آل جميلة الشيخ حمدان وبحضور أخيه عريفة القرية وامام المسجد الشيخ صالح الفقيه وآخرين من بينهم الشاعر الشاب علي دغسان ويخبره بأن الشيخ ابن صقر سيحلّ ضيفا عليهم يوم الأربعاء القادم وأن عليه ( أي على ملاسي ) يقع الدور في القيام بواجب الضيافة حيث أنه في كل مرة يزور الشيخ فيها بيت الجميلة يتولى أحد ابنائها ذلك الدور !

من البديهي أن ضيافة شخص بحجم الشيخ ابن صقر تحتاج لجهود وتكاليف في المقام الأول غير عادية وهو ما يفتقر إليه ملاسي عليه رحمة الله شأنه شأن الغالبية العظمى من سكان القرية فالحال كما هو معروف يعلم به الله ولذا كانت ردة فعله الأولية استفزازية حيث قال ( أنا مسافر يوم الربوع ) مع أن السفر غالبا في تلك الفترة يكون إما يوم الأحد ( يوم سوق رغدان ) أو يوم الخميس (يوم سوق الباحة ) وملاسي في قرارة نفسه يدرك ألّا مفر له من القيام بضيافة الشيخ وتأدية تلك المهمة بنفسه وعلى الوجه الأكمل شاء ام أبى فالأعراف حينها تجبره على الأنصياع لما يقوله كبير العائلة المؤيد من عريفة القرية وكبار الجماعة والاّ فالمقاطعة واردة وهي مالا يطيقه هو أو سواه .

المشهد الرابع :

وصول الشيخ إلى مقر الأحتفال وبدء مراسم الأستقبال ومن ثم العشاء واخيرا مجلس الشعر وهو ( بيت القصيد ) :

حيث بدأ دغسان بالبدع ولم يكن ليترك حادثة سفر يوم الأربعاء المزعوم لتمرّ دون استغلال منطقي لها دوّنه ملاسي في ردّه بعد أن تم استدرجه له دغسان بذكاء بالغ ظهر في صورة اعجاب بالقصر وسامته وارباعه وأهله ومقتناياته كمعاميل القهوة وما في حكمها اضافة إلى القائمين فيه على خدمة الضيوف فقال :

1) حيّ الله قصرا وثيقه سَامَتَه والرّبوع

( السامة ـ البناء القائم ، والربوع ـ أرباع البيت بمافيها الجون وغالبا مايوصف القصر بالمربوع يقول سعيّد ( والد عبد الواحد وعبد الخالق من قرية الحلّة ) لسعد بن عبد الرحمن عليهما رحمة الله ( ياسعد ريت الصيح والفزّاعة ـــ من راس مربوع (ن) تلي عالجون )

2) والضيف الى جاه ما يلقى له اِلّا انشراح

3) يرى المعاميل والكيِّفة ويارا احتشام

( المعاميل ـ ادوات القهوة ، والكيِّفة ـ النشوة والأنبساط ، الأحتشام ـ الحشمة واحترام الذات )

4) والقهوجي مجتهد ف الهيل والبن جهاد

5) وقهوته مان فيها وادرج ادوالها

( مان فيها ) تفنن في اتقانها


بعد أن نفث ملاسي النفس الأخير من دخان غليونه وهو يتمتم بينه وبين نفسه بالرد قبل أن يصدح به على الملأ رفع رأسه وادار بصره متفرسا في وجوه الحاضرين ثم أطلق لصوته العنان قائلا :

1) يقل ملاسي بغيت الهند يوم الربوع

( ولماذا الهند ياملاسي بالذات ؟! مع أنك لاتطيق أهلها ! اولست القائل فيهم ( لابارك الله حج هندي (ن ) ومصري )؟ هل لأن الهند الأبعد في نظرك فلن تصل إليه أقدام المتآمرين ؟ أم لأن به قصر ( تاج محل ) الذي ربما يذكّرك بقصر الجميلة ؟ أم لأسباب أخرى من بينها أن السفر إلى الهند يتطلب بابورا ونوخذة ولنشاً وهو مافرضه عليك البدع لتكون الهند وجهة سفرك غير المرحب بها وغير المرغوب فيها ؟؟ الله أعلم .

2) لآونّ ناخوذة البابور واللنش راح

لآ وإن ـ بمعنى لكنّ ، ناخوذة ـ نوخذة كلمة فارسية تعني رب البحر أو إله البحر ويقصد بها الربّان أو القبطان ، والبابور ـ السفينة

3) ما رحت ظهران للفيدة ولا رحت شام

( الفيدة ـ تعني الفائدة ) وجاء بالظهران في مقابل الشام هنا كإحدى لطائفه فهما وجهة الباحثين عن الرزق ومرتجاهم ومحط آمالهم في ذلك الوقت وربما حتى عصرنا الحاضر فما أدق وصفه في ذلك والآ فإنه لو جاء بـ ( نجران ) في مقابل الشام لأستقام البيت ( مارحت نجران للفيدة ولا رحت شام ) وربما لن ينتقده أحد ( فالجنوب مقابل للشمال ) وهو التعبير الأسلم من وجهة نظر جغرافية بحتة لكنّ ملاسي شاعر الحكمة أجل من أن يترك لمنتقديه طريقا عليه .

4) لكن لاتكره التعطيل يابن جهاد ( التعطيل ـ عدم السفر )

5) والهجرة اصبر عليها وادر جدوالها

( الهجرة هنا يقصد بها الحياة بطولها ، وادر جدوالها ـ من المداراة والتكيف مع ما تأتي به الاقدار ) .

وأخيراً:

مات ملاسي ومات دغسان ولم يريا الهند ولم يركبا سفينة ولا لنشاً بل ولم يقد أياً منهما سيارة مطلقاً ولعلهما في نعيم أبديّ يغنيهما عن كل ذلك، نسأل الله أن يكونا وجميع آبائنا وامهاتنا كذلك ، قولوا آآآآآآآآآآآآآآمين .

 

 
























التوقيع






   

رد مع اقتباس