عرض مشاركة واحدة
قديم 11-03-2009, 12:19 AM   رقم المشاركة : 1
انطباعات ومشاهد من الأندلس ( البرتغال - اسبانيا ) بالصور 1430 هـ


 



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم ... وبعد :

منذ أن كنا على مقاعد الدراسة كان خيالنا يلتهب شوقا وتطلعا لمعرفة خبايا الفردوس الإسلامي المفقود .. ويسرح بنا الخيال أكثر عندما نسمع ونتخيل سفن طارق بن زياد وحملة طريف بن مالك الاستكشافية ودعم موسى بن نصير للجيوش العربية الزاحفة وانتصارهم على ( لذريق ) ونشوء المدن العربية الإسلامية مثل قرطبه وطليطله واشبيليه وغرناطه وقشتاله وسرقسطه .

يضاف إلى ذلك التقدم الهائل في العلوم والفنون والآداب حتى أصبحت الأندلس منارة لأوربا بأسرها لمدة ثمانية قرون .. إلى أن انتهت تلك الحقبة الذهبية بمأسي تجرع مرارتها ما تبقى في تلك البقاع من مسلمين فهاجروا وهجروا وابيدوا من خلال سلسة من أعمال الانتقام التي لا مثيل لها على مر التاريخ
( اقرأوا عن محاكم التفتيش ) ليتبين للقارئ مدى بشاعة ما ارتكب في حق المسلمين يوما ما بالأندلس

لقد تحقق أملي لرؤيتها بعد عقود من الزمن عندما أتيحت لنا زيارة دولتي البرتغال واسبانيا ( دولة الأندلس يوما ما ) وذلك ضمن وفد رسمي يضم عددا من رابطة رواد الحركة الكشفية بالمملكة .. لحضور ملتقى بإحدى مدن البرتغال شارك فيه جمع من قدماء كشافي الدول المطلة على البحر المتوسط .

وتسنت لنا في هذا التجمع جوانب متعددة لا يسعف الوقت لحصرها .. لكن من أهمها الاطلاع على أغلب المدن الهامة في البرتغال واسبانيا المجاورة لها وبالذات المواطن التاريخية منها

نبذة عن اللقاء

يتم اللقاء في فترات سنوية متعاقبة وتتنافس الدول على استضافته لما له من مردود اقتصادي ومعنوي للدول المستضيفة إذ أن أي تجمع مثل هذا يحرك الدورة الاقتصادية وينشط الحركة التجارية ويعرف الآخرين بهذا البلد

عقد اللقاء بمدينة ( فارو ) جنوب البرتغال شاركت فيه ( 14 ) دولة أوربية وعربية ..من الدول المطلة على البحر المتوسط .. والراغبين من دول أخرى .. بصفة مراقب .. وفي حالة رغبة أي عضو بالمشاركة بإمكانه الدخول على الموقع الرسمي ودفع الرسوم المطلوبة بشكل جماعي أو فردي ( الف يورو ).. بعدها يجد اسمه ومحل إقامته جاهزا ضمن القائمة








قام بإدارة هذا التجمع قائدة برتغالية من قدماء الكشافين ( المرشدات ) يساندها فريق عمل منظم توزع مهمات التنفيذ والمتابعة وفق جدول دقيق يلتزمون به بالدقيقة مدة ثمانية أيام .. اتضح لنا من خلاله أسلوب الإدارة الأوربي الهادئ المنظم .. ومع ذلك فإن عرباننا لا يقلون عنهم شأنا في الإبداع والتنظيم لمثل هذه اللقاءآت .. عدا ظاهرة البروز و ( الترزز ) والتصوير بجانب المسئولين .. هنا نتفوق عليهم بجدارة لا حدود لها

خط السير

نظرا لأن البرتغال مجاورة لأسبانيا .. ومع ذوبان الحدود السياسية بين دول الإتحاد الأوربي فقد كان التنقل ميسرا وكأننا في دولة واحدة لا تفتيش ولا جوازات ولهذا كنا نتقل بين اسبانيا والبرتغال كلما سنحت لنا الفرصة

أهم المدن التي تمت زيارتها :

سأتحدث عن عاصمتي الدولتين ومن بعدها أهم المدن في كل دولة

أولا : مدريد : - عاصمة اسبانيا وهي المحطة الأولى في الطريق للبرتغال .. انطباعي عن هذه المدينة لا يمكن وصفه بهذه السهولة .. فقد عرفت عنها أنها مدينة عريقة بتاريخها وأصالتها وعراقتها في العلوم والفنون والآداب .. يضاف إلى ذلك ما شاهدناه من لمسات جمالية يتمثل في التخطيط الجميل والمنسق لشوارع المدينة ذات الارتفاعات المنظمة والموحدة .. وفق نسق فني جميل يختلط بعبق حضارة تاريخية لا يوجد لها مثيل .. كل شوارع المدينة القديمة مخططة ومنظمة منذ مئات السنين عندما أسست شوارعها المرصوفة بالحجر لخدمة العربات والخيول ولا زالت حتى الآن تؤدي دورها لخدمة أعداد من السيارات بدون أدنى مضايقة أو انزعاج






مما لفت انتباهي أنه لا توجد حفرة أو حفرية أو عمارة تحت الإنشاء أو تمديدات أو خلاطة اسمنت يجرها جيب شاص .. أو شيء من تلك ( الخرابيط ) التي نجدها في شوارع العرب العاربه .. فالبنية التحتية والتعمير انتهى عندهم من زمان .. والأهم من هذا إن عدد السكان ثابت .. وبهذا يقل الضغط على المرافق والخدمات العامة .

كانت جولتنا بمدريد سطحية فنحن في سباق مع الزمن ومواعيد الحجوزات .. ولم يكن الوقت مسعفا لنا لكي نشاهد المتاحف والمكتبات وحلبات مصارعة الثيران ولا الآثار الإسلامية الخالدة .. حتى المسجد الإسلامي الوحيد بمدريد مررنا بجواره وبالكاد التقطنا له صورة سريعة من الباص ولعل الصور التالية تغني عن بقية الحديث

ثانيا : ليشبونة :- عاصمة البرتغال وهي المحطة الثانية لنا ولا تقل روعة عن مدريد .. بل تتفوق عليها من حيث الأصالة والعراقة .. يتضح هذا من خلال مشاهدة الميادين العامة بما فيها من مجسمات وأشكال فنية تحكي بطولات قادتهم وبحريتهم الشهيرة التي أزعجت الكثير من دول العالم والكثير من المدن الساحلية.. ولا زالت القلاع البرتغالية موجودة حتى الآن في عدد من البلدان ومنها قلعة ( تاروت ) شرق السعودية وقلاع كثيرة باليمن وعمان والبحرين .. كما استعمرت العديد من دول العالم .. وذلك برغم صغر مساحة البرتغال وقلة عدد سكانها .. ولعل شهرة المستكشفين : كريستوفر كولمبوس .. وفاسكودي جاما .. لازالت عالقة بالأذهان









من حيث البنية الاقتصادية الآن تعتبر البرتغال أقل تقدما من جيرانها ..ويطلق عليها ( مؤخرة أوربا ) ومع ذلك فهي أفضل من أي دولة من دول ( بلاد العرب أوطاني ) إذا استبعدنا مسألة النفط .. فكل الخدمات الأساسية والثانوية مكتملة تماما في كل مدينة حتى البلدات الصغيرة جدا .. فما وجدنا شيئا مزعجا أو يضيق الخلق .. وخاصة في مسألة النظافة والنظام و الطرق والسيارات والخدمات والمشاة والتعامل البشري الراقي .. وقد ساندهم الإتحاد الأوربي في مسألة الاقتصاد ومنها شق الطرق ( الاتحادية ) التي تربط أهم مدن البرتغال بالاتحاد الأوربي .. فقط من مظاهر تخلفها عن أوربا عدم وجود مترو أنفاق .. حيث لا يزال القطار الكهربائي والقطار العتيق متواجد .. مع أن محطة القطار مشيدة بأسلوب فني وهندسي بارع كما يشاهد في الصورة التالية :

وأهل البرتغال بصفة عامة ( من خلال انطباعي الشخصي ) وجدناهم أكثر جدية وصرامة .. فالمجاملة والابتسامة تكاد تكون معدومة ..ولا يجيدون سوى لغتهم .. ومع ذلك فقد تأكدت بنفسي أنهم يحملون انطباعا جيدا عن العرب ويدركون تماما التاريخ والبطولات العربية على أراضيهم أيام الأندلس .. والكثير من الكلمات البرتغالية تحمل نفس اللفظ العربي أو محرفة قليلا .. وقيل أنها تصل إلى قرابة ثلاثة آلاف كلمة عربية .. وقد أعددت قائمة لها إلا أن المجال لا يتسع لسردها .. من أشهرها : صالون .. رمان .. قصر .. قنطره .. قرطاس..سكر .. زيت .. وكثير من الكلمات تبدأ بأل التعريف .

لفت نظري بوسط ليشبونه : ميدان جميل بجواره حديقة واسعة ورائعة .. والأهم من هذا أن الميدان والتخطيط المجاور له تأسس قبل مائتين وخمسين عاما .. بعد أن هز المدينة زلزال ودمرها .. فأعاد تخطيطها قائد مشهور .. وضعوا له تمثالا .. ومن تحت التمثال قصة مجسدة بشكل فني تتحدث بطولة أولئك الأقوام وتعاونهم من أجل إعادة بناء مدينتهم
( مع ملاحظة الاختلاف العقدي بيننا وبينهم في مسألة التماثيل المجسدة من الناحية الشرعية )

سيطول بنا المقام عند الحديث عن هذه المدينة .. ولكن سأكتفي بهذا


نبذة عن بعض المدن البرتغالية

1-مدينة فارو :-
تقع جنوب البرتغال على ساحل المحيط الأطلسي وفيها عقد اللقاء بأحد فنادقها .. وهي مدينة صغيرة كانت يوما ما مرفأ للصيادين .. وقد قرأت عنها بأن اسمها من أصل عربي مأخوذ من ( الفرو ) وهو مسمى له علاقة بالنسيج و ( نفشه وغزله ) والله أعلم .. وقد زرنا موقعا بجوارها تسمى مدينة الصيادين .. وهي أكثر جمالا وبهاء بشواطئها الرملية الساحرة .. بين شاطئ البحر وكورنيش المدينة مساحة واسعة من الرمال بلون أحمر بديع





تسنت لنا أيضا في هذا الموقع فرصة لزيارة مصنع التونة القديم الذي تحول إلى متحف يتحدث عن الصيادين ومعاناتهم قبل مائة عام صورت أجزاء منه بالإضافة إلى نقل بعض الصور القديمة التي توضح فصولا من ذلك النشاط ( ولو يسمح الوقت لتحدثت عن هذا بصورة أكثر )

أثناء وجودنا بمدينة فاروا اصطحبوا كل الموجودين إلى كنيسة قديمة وتاريخية وجلسنا على الكراسي الأمامية .. وتحدثت ( فقيهتهم ) عن أشياء لم نفهم منها شيئا .. ولا نريد أن نفهمه .. أنا شخصيا انشغلت بتصوير أجزاء من الكنيسة .. وعندما بدأوا بعزف مقطوعة موسيقية ( اعتقد أن المقطوعة تحمل اسما تاريخيا وتمثل شيئا مهما بالنسبة لهم ) خرج أكثر أعضاء الوفد السعودي .. وجلست في نقاش طويل مع واحد يوناني حول أسباب الخروج .. وقال لي بأنه يقرأ القرآن .. لكنه لم يجد فيه سوى : do this .. and don’t do this ( افعل كذا ولا تفعل كذا ) عندها كانت فرصتي لتزويده ببعض الكتب التي أخذتها معي مسبقا من مكتب الجاليات تشرح مبادئ الإسلامي .. جاءني اليوم الثاني قائلا إنه قرأها ولا زال في ذهنه شيء من التشويش .. طبعا لا نستطيع أن نوزع بصورة مباشرة وعلنية لمثل هذه الكتب خوفا من الناحية القانونية .. أو اتهام يدخلنا مع الغرب في متاهات .. بالرغم من أنني سألت عن هذا الموضوع قبل وصولي لهذا البلد





.. وعندما عملنا معرضا عن المملكة بجهود الأخ مستور الشهراني وبقية الزملاء من أعضاء الوفد أثناء اللقاء .. احتوى على مجموعة كبيرة من المطبوعات .. أدخلنا الكتب الخاصة بالتعريف بالإسلام ضمنها .. وأتبعناها بصب القهوة العربية للجموع المشاركة من الدول الأخرى .. ووزعنا عليهم مجموعة من الهدايا.. مع كميات من تمر العجوة المدني الغالي الثمن الذي أحضرة السيد عبد الرحيم الراوي أحد أعيان المدينة المنورة .. من مزرعته الخاصة بالمدينة .. وكان المعرض المصغر حدث فريد ورائع .. وضع بقية الوفود وخاصة العربية في حرج غير معلن

2-مدينة فاطمة ( fatema ):- هذه المدينة مشهورة على مستوى العالم المسيحي وفق الديانة الكاثوليكية وسميت بهذا الاسم كاسم مرادف للسيدة مريم عليها السلام .. ويعني اسم فاطمة من الناحية اللغوية : ( العفيفة الطاهرة الشريفة ) .. ويحج إلى هذا المكان آلاف المسيحيين سنويا ويجتمعون هنا في واحدة من أكبر كنائس أوربا .. يتعلمون مبادئ مطورة من تعاليم الدين المسيحي .. ويحرصون على اصطحاب الماء المبارك من هذه المدينة كهدايا قيمة لذويهم





تشرف الكنيسة على فناء واسع جدا في وسطه ممر من الصاج الأملس بطول خمس مائة متر .. رأيت عددا منهم يزحفون على ركبهم وصولا إلى تمثال ذهبي في بداية الفناء .. لم أسأل عن التفاصيل لكنني أعتقد أن الموضوع فيه شيء من تعذيب الجسد من أجل التكفير عن الخطايا أو الوصول إلى شئ من الفضل .. حسب اعتقادهم والله اعلم ( تعالى الإسلام عن ذلك علوا كبيرا )





وفي جانب آخر تجمع وحشد كبير يحملون الشموع ومظاهر أخرى طويلة .. سألت أحد المارين عن امكانية التصوير .. فسألني : هل أنت بروتاستانتي ؟؟ ( تخيلت وقتها أنني مسيحي من قرية رحبان !!! ) ولما أجبته ب : ... no .. دلني على طريقة مهذبة وراقية .. قائلا : أنظر .. إذا وجدت أحد يصور .. صور مثلهم .. وكان يتحدث معي بلغة انجليزية مكسرة.. وأنا لست بعيدا عنه في عملية التكسير

أشياء أخرى كثيرة عن هذه المدينة وقصص خرافية لا يصدقها عقل .. مثل ( حلم البنات الثلاث عندما شاهدن السيدة مريم العذراء ) وغيرها .. كانت سببا لمورد اقتصادي هام للمدينة والدولة .. أيضا لا يتسع المجال لذكرها

بلدة أخرى بجوار هذه المدينة بها كنيسة من العصور الوسطى وبداخلها تماثيل لبانيها ومجسم لمريم العذراء وابنها في صغره وبعد مماته كما يعتقدون .. في أشكال ماثلة للعيان .. مررنا بها وصورناها .. للاطلاع .. أما اعتقادنا ولله الفضل والمنة.. فلا زال راسخا لا يتغير بإذن الله إلى يوم الدين بأن ما شاهدناه يندرج تحت ما وصفهم الخالق عز وجل في سورة الفاتحة : ( ولا الضالين ) حيث تعلمنا وعرفنا أن الضالين هم الذين يعبدون الله على جهل وضلال






أمام هذه الكنيسة فارس مهيب .. من البرونز يمتطي صهوة جواد في منظر يوحي بالقوة والشجاعة .. سبب لنا هذا المنظر أسى وحسرة .. تضاف لمآسينا ..عندما شرحت لنا المرافقة وهي ابنة رئيسة المؤتمر .. بشيء من الزهو .. إن هذا المكان والمجسم ما هو إلا رمز للقائد المسيحي الذي انتصر على العرب بهذا المكان في معركة سميت ب ( aljubarrota ) لا حظ أل التعريف ( الجبروتا ) .. عام 1385ميلادي ..وأضافت بأن أهل المدينة قاتلوا العرب بشجاعة ومنهم ( خبازة ) كانت تستخدم عصا المخبز في قتال العرب .. الخ .. وعندما سألتها بعض المعلومات عن هذه المعركة وقادتها قالت : ابحث عنها في ال ( ويكيبيديا )





بلعنا المعلومة على مضض وفي أنفسنا قول الشاعر :

من يهن يسهل عليه الهوان ما لجرح بميت إيلام


هناك مدن أخرى زرناها متعددة تتميز كلها بجمال الطبيعة من حولها واكتمال خدماتها ونشاط سكانها وأغلبها محاط بقلاع حربية ذات طابع عربي واضح ( ستجدونها في الصور اللاحقة إن شاء الله )


 

 

   

رد مع اقتباس