عرض مشاركة واحدة
قديم 01-04-2017, 12:24 PM   رقم المشاركة : 2

 

.

*****

الشاعر مصطفى الكحلاوي

هو شاعر مصري من الشعراء القلائل الذين تحدث عنهم الناقد العربي الكبير الدكتور عبد القادر القط في جريدة الجمهورية عام 2000م، في صالون الدكتور فتحي عبد الفتاح، وتنبأ له أنه سيكون شاعراً كبيراً، وأيضاً كتب عنه الدكتور عبد الحميد إبراهيم مقالة بعنوان الكحلاوي بين اللونين الأزرق والأسود، وأيضاً كتب عنه الدكتور كمال نشأت دراسة، وكذلك كتب عنه الشاعر عبد المنعم عواد يوسف، ونشر له حجازي مجموعة من قصائده في مجلة إبداع، صدر له ثلاثة دواوين عن الهيئة المصرية للكتاب كان آخرها ديوان «ورغم البعد أهواك» عام 2013م، أما الأول فكان بعنوان «استقالة عاشق» عام 2001م، والثاني كان بعنوان «الليل والقضبان وعيناك»، كتب عديداً من المقالات النقدية في صحف ومجلات عربية كثيرة، وأيضاً التحقيقات الثقافية في مجلة «الشعر» ومجلة «المجلة» في السعودية ومجلة «الشعر» في مصر.

مفارقة العشق

قمتُ بقراءة الديوان من وجهة نظر نفسية وتحليل أبعاد شخصية الكاتب لا من الناحية البلاغية والجمالية وأنا أقرأ ديوانه الأخير «رغم البعد أهواكِ» برزت عندي مفارقة في قصائد العشق، فتجده في لغته تارة مستكيناً حزيناً وهائماً، وتارة متعالياً رافضاً لعشق المرأة، وتتجلّى تلك المفارقة على مستوى العنوانين فتجد عنده (لا تهربي) وله قصيدة أخرى بعنوان (لا تقتربي)، وكلا العنوانين يخاطب أنثى بالنفي بالاقتراب منه وبالنفي من الهروب منه، هذا التناقض يقودنا إلى محاولة الفصل بين هذه القصائد وفهم ما تتضمنه تلك اللغة، هل العشيقة الأولى تختلف عن الأخرى في شيء ما؟!

هيام وشكوى

القريب من الكحلاوي يعرف أنه شاعر مغترب عن وطنه ومقيم هنا في السعودية، وهذا يعطينا مؤشراً على أن ثمة عشيقة يبذل الكحلاوي لها الهيام والشكوى عن بعده منها وحنينه إليها بلغة بعاطفة صادقة عميقة: إنها الوطن/ مصر/ ولم نحكم على هذا جزافاً فهو يؤنث وطنه ويجعله عشيقته فنجده في قصيدته (سعاد) والتي مطلعها:
أخبريهم يا سعاد
إنني طفت البلاد
ساهراً ليلي أغني
بينما نام العباد

إنما سعاد هنا المقصود بها الوطن بقرينة قوله في ذات القصيدة:
تاركا أهلي وبيتي
تاركا حتى الجواد
رفض عيشي وملحي
وطعامي أي زاد

ثم يقول:
تاجر الأوغاد فيك
أدخلوكِ في المزاد
حطموا كل سيوفي
مزقوا كل الجياد
لو تعودين إليّ
أحمل الآن العتاد
أفتح الآن بلاد
أعلن الآن الجهاد

الأبيات هنا عالية الوتيرة تحمل حباً كبيراً للوطن وقلقاً على ما ألم من اضطراب سياسي باذلاً روحه وماله من أجل الوطن.
ويقول مخاطباً وطنه وهو في ديار الغربة (لا تهربي) فهو يقول:
لا تهربي من الهوى
إذا أتى يوماً إليكِ
عاصفاً مثل البحار
يحطم الأشجار
يقتلع الثمار

واللغة تختلف تماماً في قصيدة (اتبعيني) وأنت تقرأها تنتابك ابتسامة من جنون هذا الشاعر ولغته المتعالية عن عشق المرأة والتي مطلعها يقول:
بي كوني
وبدوني لن تكوني
أنتِ شيء من غروري

فاللغة هنا متعالية جداً على المرأة، يضع فيها فاصلاً بينه وبين عشق المرأة، وينوّع الكحلاوي في ثيمات العشق، ففي قصيدة (لا تقتربي) لها نغم مختلف، فالشاعر هنا أحس بشيء من ضعفه وإذا به يحافظ على كبريائه فهو يأمر المرأة أن تبتعد أو تكون خاضعة له، ويبني سوراً عالياً بينه وبين عشق المرأة عبر لغة ممانعة صلبة لا يمكن أن تقهره أو تكسره ليقول في مطلعها:
لا تقتربي من أسواري
أخشى أن أهواكِ
أن أفقد إيماني
وتضيع صلاتي

يا ترى هل العلاقة ظلت مضطربة هكذا على طول الديوان، ليأتينا الجواب حيث نجد في قصيدة (الوقت الضائع) تلك الاستكانة حيث يخاطب الحبيبة وبعتابها وكأنها قد أطلت على ذاكرته ليخبرها بأن الوقت قد تأخر حيث يقول:
لماذا جئت يا قمري
إلى صحراء أيامي
وقد جفت ينابيعي
وماتت كل أغصاني
رميت سهام عينيك
عصفت بكل وجداني
فلا سحر يخلصني
ولا أرض سترعاني

ثم يخبرها بأن حبها لم يعد خياراً فهو يسيطر على قلبه ووجدانه:
أحاول منك أن أهرب
ونبض القلب يعصاني
فكيف أقاوم الأمواج
وسيف الحب أرداني
فدليني لمن ألجأ
وقد حطمت أركاني


نقل الواقع

فالكحلاوي ينتمي إلى المدرسة الواقعية في شعره، فهو يعبر عن تجربته الواقعية بعيداً عن الخيال أو التصنع، فهو يحرص دوماً على أن يُضمن شعره رسائل ودلالات، ينقلها من الواقع ويهتم بصياغة المعنى بالدرجة الأولى بأسلوب سلس وبسيط، حيث نجد قصائد له تحدث فيها عن واقع وطنه بكل جرأة وشجاعة كما في قصيدة (القاهرة)، (لا تخافي)، (لا تهربي)، (أهل الكهف)، ولم يغفل الشاعر عن الواقع العربي كما في قصيدة (دموع القدس)، وأما في قصيدة (أصارحكم) وهي من أقوى القصائد جرأة والتي جاءت كبيان وجه فيها الشاعر خطابه القوي والصارخ بكل شجاعة حيث يقول فيها:
أصارحكم
وأرفض أن أصافحكم
فقد صرتم مجاذيبا
وأرض الله ترفضكم


شاعر جهوري

مصطفى الكحلاوي من شعراء المدرسة الواقعية كما أنه شاعر جمهوري شعبي، فهو يصب معانيه في قالب قريب من المتلقي بسيط وسلس.. ثم إن ثمة أمراً مهماً يميز شعر الكحلاوي، هي الموسيقى الداخلية التي تهب القصيدة الجمال وتستمد هذه الموسيقى رتمها وجمالها من صوته وإلقائه بعد ولادتها، يتمتع بالإلقاء المدوي في قصائد الوطن أو القصائد التي لها طابع العروبة والهدوء والحزن في قصائد التباكي على الوطن الضائع والعروبة المنسية، فهو يهب قصيدته الحياة وتدخل إلى أعماق المستمع بكل يسر وسهولة عبر صوته الجهور… للإلقاء أهمية لا تخفى عليهم، في إيصال الكلمة للنفوس، فربما قصيدة تضيع بسبب إلقائها الضعيف… فلغته من السهل الممتنع سهلة، يفهما الجميع وتفاعل معها، وفي متناول أيدي الجميع بعيداً عن التعقيد والتركيبات اللغوية الصعبة، لا يكتب للنخب فقط كما يقع البعض في هذا المأزق. إننا أمام شاعر يكتب عن تجربته وعن الواقع بكل جرأة وصراحة بعيداً عن الأحلام والغناء المفرغ… وسنظل ننتظر منه الجديد.

شعر جماهيري

أخيرا أحب أن أقول إن أجمل ما يميز شعر الكحلاوي أنه شعر جماهيري فالقارئ حينما يقرأه يتفاعل معه، ذلك لأنه يخاطب وجدان القارئ بصورة بسيطة وعميقة في نفس الوقت أي بأسلوب السهل الممتنع الذي يبتعد عن الرمزية، فهو شاعر يعبر عن مجتمعه مثلما كتب في قصيدة (الموتى) أو قصيدة (الخاسرون) وأحياناً يتمرد على مجتمعه مثلما كتب في قصيدة (كفرت بالنساء) فهو شاعر متمرد بطبيعته، إلا أنه يجعلك تتفاعل معه حتى لو لم تتفق معه.

(منقول من صحيفة الشرق)
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٨١٦) صفحة (٢١) بتاريخ (٢٧-٠٢-٢٠١٤)


*****

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس