عرض مشاركة واحدة
قديم 11-10-2011, 01:20 AM   رقم المشاركة : 1
خطبة يوم عرفة 1432هـ من مسجد نمرة


 

نصائح وتوجيهات مهمة لعموم الأمة


ألقى فضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة يوم عرفة 1432هـ بعنوان:
"نصائح وتوجيهات مهمة لعموم الأمة"
والتي وجَّه فيها النصائح المهمة لجميع فئات الأمة الإسلامية؛ من حُكَّامٍ وعلماء ودعاة وموظفين وأطباء وسياسيين وإعلاميين وغيرهم، شِيبًا وشبابًا، رجالاً ونساءً، وقد تضمَّنت هذه التوجيهات التذكير بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وذكر خصائص الدين الإسلامي ومزاياه، والحثِّ على التمسُّك بالوحيَيْن، والتذكير بالموت وعدم خلود البشر في هذه الدنيا، وذكر يوم القيامة وأهواله، ثم ختمَ - حفظه الله - خطبتَه بذكر مناسك الحج الباقية للناس بعد هذا الموقف العظيم، وتوجَّه بالشكر لجميع المسؤولين ومن كان سببًا في تيسير مناسك الحج للمسلمين.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفره ونتوبُ إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها الناس:
اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، وراقِبوه في السرِّ والنجوى؛ لتنالوا الصلاحَ والخيرَ في الدنيا، والنجاحَ والفلاحَ في العُقبى.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أمة الإسلام:
بعثَ الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهُدى ودين الحقِّ بشيرًا ونذيرًا برسالةٍ كافَّةٍ إلى جميع الخلق؛ ليُخرِج الناسَ من ظلمات الكفر والضلال إلى نور التوحيد والإيمان، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم والرشاد، ومن عبادة النفوس والشيطان إلى عبادة الملك الديَّان، ومن نزوات الشبعينية إلى سموِّ الأخلاق الإسلامية، ومن طُغيان العقل والهوى إلى انضباط الشرع ووحي السماء، ومن التعلُّق بالدار الفانية إلى التعلُّق بالدار الباقية بالنعيم بالدرجات العُلى.
أيها المسلمون:
إن الله شرعَ دينَ الإسلام ليكون منهجَ حياةٍ للبشرية يسيرون طبقَ أحكامه وتعليماته، فما شأنٌ من شؤون الدنيا إلا وللإسلام فيه حكمٌ وبيانٌ؛ ليُحقِّقَ العبادُ الغايةَ التي لأجلها خُلِقوا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56]، ولتستقيمَ حياتُهم كلها عقيدةً وعبادةً وسلوكًا وشخصيةً ومعاملة وأخلاق وسياسة وتعليم، إلى غير ذلك بصِبغة الإسلام، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ[الأنعام: 162، 163].
وقد رسمَ الإسلامُ هذا المنهجَ بأعظم بيانٍ وأجلَى عبارة، فأقام أدلتَه، ووضَّح معالمَه، وأرسَى قواعِدَه بما يشفِي بلا لبسٍ ولا غموضٍ، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ[ص: 29]، مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ[الأنعام: 38]، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ[النحل: 89].
بيَّن لهم أصولَ عقائدهم في الإيمان بالله وإخلاص التوحيد له، وصرفِ كل العبادة له - جل وعلا -، وأن هذه العبادة لا يستحِقُّها سواه - جل وعلا -، لا ملَكٌ مُقرَّب ولا نبيٌّ مُرسَل.
وبيَّن لهم حقيقةَ توحيد أسماء الله وصفاته بأن تُثبَت لله الأسماءُ والصفات على ما يليقُ بجلال الله إثباتًا بلا تأويل، وتنزيهًا بلا تعطيل، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الشورى: 11].
بيَّن لهم الإيمانَ بملائكته المُقرَّبين المُبرَّأين من كل نقصٍ يعترِي البشرية، عبادٌ مُكرمَون، لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[التحريم: 6]، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ[الأنبياء: 20].
وبيَّن لهم الإيمانَ بكتبِ الله التي أنزلَها على أنبيائه، وهو: التوراة والإنجيل والقرآن والزَّبور وصُحُف إبراهيم وموسى، إلا أن القرآن الكريم أفضلُها وأجمعُها، مُهيمِنًا عليها كلها، يُحِقُّ الحقَّ ويُبطِلُ الباطِلَ، وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ[المائدة: 48].
والإيمانَ برُسُل الله الذين اصطفاهم الله لهداية البشرية نُؤمِنُ بهم جميعًا ولا نُفرِّقُ بينهم، وهم مُتفاوِتون في الفضل، وأفضلُهم سيدُهم وخاتَمهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فالإيمانُ به إيمانٌ بجميع الرسل، والكفرُ به كفرٌ بجميع الرسل: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ..[البقرة: 285] الآية.
والإيمان بقضاء الله وقدَره، وأن ما شاءَ الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن كل ما يجري فهو بإرادة الله الكونية، هو بكل ما سُطِّر في اللوح المحفوظ وما كان في الأَزَل، لا يكونُ شيءٌ من ذلك لا من شؤون الكون ولا من أحداث البشر، وأن الله أعطى العبدَ إرادةً واختيارًا بلا إجبار، يختارُ فيها ما يشاء؛ فإن اختارَ الخيرَ جُوزِيَ به، وإن اختارَ غيرَ ذلك عُوقِبَ عليه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ[الزلزلة: 7، 8]، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا[الشمس: 9، 10].
ويُؤمنُ العبدُ بأنه لن يكون دائمًا في هذه الدنيا؛ بل سيرحلُ عنها إلى القبر فإما نعيمٌ وإما عذاب، وبعد ذلك البعثُ والنُّشور والكتب وميزانُ الأعمال، وعند ذلك ينالُ المؤمنونَ فضلَ الله في درجات النعيم، وينالُ غيرُهم من الكفار العذابَ الأليم، وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ[الشعراء: 90، 91].
بيَّن الله للعباد طريقَ ما يُقرِّبُهم إليه ويُبقِي صلتَهم به؛ فشرعَ لهم من أنواع العبادة المتعدِّدة، لتستوي الصلاة والزكاة والصوم والحج والأذكار وغير ذلك، ليكون العبدُ دائمَ الصلةِ بربِّه ليُحقِّقَ سموَّ الروحية، وحياةً كريمة، وتزكيةً للنفس، وسعادةً في الآخرة.

يتبع

 

 

   

رد مع اقتباس