عرض مشاركة واحدة
قديم 01-25-2008, 12:57 AM   رقم المشاركة : 26

 

مشاركة من اللواء ( محمد بن عجير )

الحادثة الرابعة :-

تزوج ملاسي من إمرأة من قرية تقع شرق وادي العلي وكانت المرأة جميلة جداً إلا أن الزواج لم يدم طويلا لأن الرياح تجرى بمالا تشتهي السفن وقد تندم الشاعر على فراق زوجته وأحس بذلك رفيق دربه وصديق عمره دغسان فما كان منه ( أي من دغسان ) إلا أن إستغل زيارة الشيخ ( سعيد بن صقر ) لوادي العلي وكان الشيخ كثيرا ما يتردد على الوادي للإستمتاع بمساجلات الشاعرين فقال دغسان في ( بدعه ) مُرَحِباً بالشيخ ومستحثاً صديقه لتخليد ذكرى حادثة فقدان زوجته ما يلي :

( البدع – من دغسان )
حيا الله شيخا معه ظَنّه وراموسا { 1}
وينجد اللي يدور منه نجدية { 2 }
مثيل نوُّ(ن) غزيرا تاع منشأ ماء { 3 }
يحج ولد الملك ويحج وزياره { 4 }

معاني الكلمات :

( 1 ) ظنّه – أي ( تخمين )والمعنى أن ظنّه في الناس لايخيب وهو كناية عن قوة الفراسة والشيخ هنا يقصد به الشيخ سعيد بن صقر ( رحمه الله ) ، والراموس – يقال فلان يُرَمِّسُ الشئ أي يُميِّزه .
( 2 ) ينجد – يسعف ، والمقصود أن الشيخ يسعف من يطلب منه النجدة وهي المال .
( 3 ) مثيل - تصغير مثل ، نوّ(ن) أي سحاب ، تاع – ناض او أقبل ، منشأ – مصدر ، والمقصود أن الشيخ في جوده وكرمه يشبه السحاب المركوم الذي نشأ من مصدر ماء ( كالبحار والمحيطات ) ويحمل مطراً غزيرا .ً
( 4 ) يحج – أي يحاجج ، وزياره – أي وزرائه والمعنى أن الشيخ قوي الحجة وبإمكانة محاجّة إبن الملك والوزراء .

( الرد – من ملاسي )

ما جا نبيٍّ(ن) من المشرق ورا موسى { 1 }
إلا رياحٍٍ(ن) تهب بها ونجديّه { 2 }
والأنبيا ما يجونا غير من شاما { 3 }
أرض(ن) نظيفه وفيها حج وزياره {4 }


معاني الكلمات :

( 1- 2 ) ورا – أى بعد ، والحقيقة أن موسى عليه السلام لم يأت من المشرق وإنما جاء من فلسطين وفلسطين ليست شرق المملكة كما أنه أي ( موسى ) أرسل إلى فرعون وقومه في مصر ومصر غرب المملكة وهذه لم تكن سقطة من ملاسي رحمه الله لكن دغسان إضطرّه لقول ذلك عندما قيده في البيت الثاني بالنجديّة والنجديِّة ريح لاتأتي إلا من الشرق ولا تبشر في الغالب بالمطر والواضح أن دغسان اراد لملاسي التطرق لموضوع الزوجة القادمة من المشرق لكن بالتورية .
( 3 ) من شا ما – أي من الشام ويقصد بها هنا فلسطين وهي مبعث معظم الأنبياء
( 4 ) الحج والزيارة معروفة أماكنها لكن لعل المقصد هنا ( بيت المقدس ) بصفته احد المساجد الثلاثة التي لاتشد الرحال إلا إليها .
واظن اننا بعد هذا لم نعد في حاجة لتوضيح المعنى الإجمالي للقصيدة . أليس كذلك ؟ !


جبة ملاسي والأرملة


القت الحرب العالمية الثانية بظلالها على معظم الدول العربية ومن بينها المملكة حيث ارتفعت اسعار المواد الغذاية آنذاك وقل تواجدها في الأسواق ودخل الفقر معظم البيوت إن لم نقل كلها . . .هذا في المدن فكيف بالقرى النائية التي لم تكن تصل إليها السيارات لعدم وجود الطرق إذ لم تكن الدولة السعودية في تلك ألآونة قد إلتقطت أنفاسها بعد والعملة حينها ما زالت بالريال الفرنسي إلى جانب الريال السعودي الذي لم يكن منتشرا في كل المناطق وقد زاد من تفاقم الأمر أن الامطار شحَّت في كثير من أجزاء البلاد وخصوصا المنطقة الجنوبية منها فأجدبت الارض وأصيب الناس فيها بسنى قحط كسني يوسف عليه السلام فانعدمت المؤن او كادت حتى اصبحت لقمة العيش اذا توفرت لبعض الأسر لبضعة ايام تعد مكسبا لايعادله مكسب ومن وجد قوت شهر واحد له ولأفراد أسرته عُدّ من الأثرياء ، ونتيجة لتلك الأجواء المفعمة بالمآسي وصل سعر الربع ( ربع المد من الحنطة ) ريالا فرنسيا (أي ما يعادل أربعين ريالا عربيا ) والريال لم يكن يملكه كل أحد حتى ان ذلك العصر سُمِّى ( بعصر سعر ربع ) من شِدَّة معاناة الناس فيه من الفقر ، والمدُّ لمن لا يعرفه ( أداة من أدوات الكيل يعادل بضعة كيلو جرامات فقط )

في تلك الظروف العصيبة كان الرجل ذو المنعة والقوة غير قادر على توفير قوت ابنائه ليوم أو يومين فكيف له ان يقوم بواجب الضيافة لمن يدخل بيته أو يبتليه بنفسه؟! يقول دغسان واصفا تهرب الناس من ضيافة بعضهم البعض في تلك الأيام :-

ماعاد ودي نظيِّف حد ولا ودي نظيف
ماعد فالاسواق يوجد لا دهان ولا تمر
والبن ماعد يباع الا ريال الرابعه
عليّ عاهل السخا وعن الرجال المستحين
كلافــة الضيــف معــدومه وكيــف نقـل بهــا


ولهذا لم يكن للناس إلا بعضهم بعضا يتقاسمون فيما بينهم ما هو متوفر معهم ليعيشوا يومهم ويكِلون أمر الغد إلى الله الذي لم يخلق سبحانه خلقا وينساه قطّ .
ولأن قرى وادي العلي لم تكن في تلك الحقبة من الزمن بمعزل عن بقية القرى المجاورة ولم تكن ظروفها تختلف كثيرا عن ظروف تلك القرى فقد كان الفقر عامّاً وضرب بأطنابه في كل بيت ولذا كإن السؤال الذي يطرح نفسه:-

ماذا عن المسكين والأرملة ؟
ماذا بوسع الفقير ان يفعل إذا كان ميسور الحال لايجد ما يسد به رمقه ورمق أبنائه ؟
كيف يمكن لإمرأة فقدت زوجها اثناء تلك الظروف أو قبلها بقليل ان توفر لزغب الحواصل ماء أو شجرا ؟!

إنها بالفعل مأساة عاشها آباؤنا وامهاتنا ولم يشعر بها وبمرارتها إلا من إكتوى بنارها أو بنار مثيلاتها ( فالنار ما تحرق إلا رجل واطيها )

في خضم تلك الأمواج المتلاطمة والعواصف العاتية كان شبح مركب لأرملة مسكينة يطل بمقدمته بين الفينة والأخرى على الناس متلمسا طريقه بصعوبة بين الأمواج للبحث عن ماذا ؟ عن مؤنة تكفيها وابنائها حتى ياتي فرج الله الذي وعد به عباده الصابرين ! وكانت هي والله من الصابرين .

وفجأة لاح لتلك الأرملة في الأفق فرج لملمت قواها الخائرة كي تدفع بمركبها المتهالك بإتجاهه علّها تجد عنده ضالتها وكأني بها ولسان حالها يردد قول الأمير الشاعر خالد الفيصل ( الله كريم برق يلوح . .. اليوم ابا اغسل هالجروح ) لكن ذلك البرق لم يكن سوى سحابة صيف عابرة أو سرابا حسبته تلك الأرملة ماءً حتى إذا جاءته لم تجده شيئا .

الفرج ( السراب ) كما أسميناه تمثل لها في مُزَارع من قرية مجاورة جاء إلى الوادي ليسوّق ( أي يبتاع ) على دابته منتوج بلاده من (حُنْطة ) إحتفظ بها قبل الكارثة بسنوات وكأنه تعلم من درس نبي الله يوسف لأهل مصر عندما قال لهم ( فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ) فاصبحت سلعة ذلك الرجل رائجة وبالثمن الذي يريده ويحدده ،
لكن ألم أقل لكم بانه كان بالنسبة لتلك المرأة سرابا ؟! لقد إمتنع عن تزويدها بما تحتاجه من المؤنة لأنها لم تكن تملك الثمن ولم يكن هو يعرفها ولم يتعامل معها فيما مضى فماذا كانت النتيجة ؟ !

النتيجة . . أُنه أُسقط في يد تلك المرأة العصاميِّة لكنها مع كل ذلك لم تستسلم ولم تكن لتترك أطفالها يتضورون جوعا وفيها رمق من حياة . . ولذا لم تيأس من روح الله وازدادت إصرارا على تحقيق ما تصبو إليه فأخذت تفاوض الرجل وتجادله حتى وافق على مضض أن يبيعها ما تحتاجه من مؤنة شريطة أن تحضر له كفيلا غارما معروفا لديه وتحدد له الفترة الزمنية التي يمكن خلالها إستلام مستحقاته منها ، ، فوافقت المسكينة تحت وطأة الحاجة ثم ذهبت على عجل غير مصدقة نفسها لتبحث عن كفيل غارم قبل أن يغادر البائع القرية فتفقد ما بقى لها ولابنائها من امل ، لكنها إصطدمت بشي آخر لم يدر بخلدها إلا بعد ان اعطت لساقيها العنان في طرقات القرية الضيقة والتي خلت من المارة وهي تجوبها على غير هدى إذ قفز إلى ذهنها سؤال منطقي . .يقول . . من سيكفلك من الناس أيتها المسكينة وهم يعرفون بأنك أرملة لاحول لك ولا قوة ؟ من سَيَمُد لك يد العون منهم وهم انفسهم لايملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا وليست احوالهم بأحسن حال منك ؟! إحتارت المرأة إلى اين تتجه . . وألأفكار تتزاحم في ذهنها والخواطر تتوارد عليها واحدة تلو الاخرى إلا أن تلك الخواطر والأفكار لم تسعفها بإسم الشخص القادر على السداد عنها في حال حان وقت الدفع ولم تستطع الوفاء بدفع ما هو مترتب عليها . . وعلى ذلك مضت في طريقها وهي تقلب أفكارها ذات اليمين وذات الشمال وربما لم يخطر ببالها إسم محمد ملاسي قط لأداء ذلك الدور الذي تنشده مع انه نسيب لزوجها ورجل يعرفه البعيد قبل القريب بحكم شهرته كشاعر والسبب هو أنها اعرف الناس بأحوال محمد ملاسي المادية والتي لم تكن بأفضل من حالها . . لكن لعل قدرها وقدره ساقاها اليه فلم تشعر بنفسها إلا وهي واقفة ببابه فلم يخذلها الرجل وتجاوب معها على الفور بحكم شهامتة ومروأته فاصطحبته معها إلى تاجر الحنطة الذي ينتظرها بالقرب من بيتها فإتضح بأنه ( أي التاجر ) على معرفة بملاسي الذي كفلها لديه ونالت ما كانت تصبو اليه .

وعندما حان موعد السداد... وآه... من موعد السداد.. .! لم تكن الظروف قد تعدلت بعد ولم تكن الأيام قد جادت بما هو متأملا ولذا لم تجد تلك المرأة ما تدفعه لدائنها ولم يستجب هو لقول الله تعالى ( فنظرة إلى ميسره ) ومن أجل هذا بقى ( الدائن ) يتردد على الكفيل للمطالبة بحقه والكفيل يزيد من ضغوطه على الأرملة لنفس الغرض

وفي يوم من الأيام قابل الدائن الكفيل في أحد الأسواق وهو يرتدي جُبَّةٌ له تقيه من برد الشتاء فأخذ منه جٌبَّته تلك في مقابل دينه ولما عاد الكفيل إلى بيته من دون جُبَّة والبرد يكاد يفتك به ذهب مباشرة إلى تلك المرأة وكأنه كان منفعلا حينها فألح عليها في طلب تسديد ماعليها وطال بينهما النقاش حتى ضاقت به ذرعا لعدم تقديره لظروفها السيئة فعيَّرته بِحَوَلٍ في عينه اليمنى قائلة له ( أندر من فوق بيتي ياشتيح ! ) وعندها لم يجد ( شتيح ) بدا من النزول عن ظهر البيت والعودة أدراجه إلى منزله وهو يُمَنِّي نفسه بعدم وصول الخبر إلى دغسان حتى لا ينصب له ألأخير فخا يخلد من خلاله احداث تلك الواقعة (فما في ملاسي يكفيه ) من ضياع الجبة وتجرع مرارة برد الشتاء . . لكن الخبر نقل إلى دغسان لأن الناس لم يكن لهم مفر من التسامر ليلا مع بعضهم البعض لقضاء الوقت وتداول اخبار المجتمع في ظل عدم وجود وسائل ألإتصالات المتوفرة حاليا وعندها قال دغسان ما أسعفته به قريحته حينها وهو التالي :-

لابد تشرب من الاعداد ياضامن {1}
من سد حبس(ن) وله ممضى عتل جبه {2}
حبس(ن) صليب(ن) وراه الجم يتجمّل {3}
يسوق زرعٍ(ن) ورا اسوار(ن) طال بناها {4}
يمــون حـبّه وفي وقـت الشّتــــي حنـدر {5}

معاني الكلمات :-
( 1 ) الأعداد – جمع عِِِِذّ وهو البئر ، والضامن ( الضامئ ) أي العطشانَ
( 2 ) من سد :- من خلف ، حبس :- المكان الذي يحبس فيه الماء سواء أكان قُفّ البئر اوالبِرْكَة التي كانت تحفر بجانب الآبار وتستخدم لتجميع المياة
الممضى هو الطريق الذي يمضي منه الماء أو ينتقل عبره من البئر إلى المزرعة ويسمى الفلج ،
العتل _ جمع ( عتله ) وهي أداة حديدية تستخدم لقطع الصخر كما أن العشب الذي ينبت على جانبي ( الفلج ) وإسمه النجمة ويستخدم ألآن لأرضية الحدائق وملاعب كرة القدم يسمى (عتلة ) .
َََََجبَّه :- بفتح الجيم أي قطعه . .والمعنى أن ماء البئر الذي يشرب منه الضمئان محبوس في ممر أستخدم العتل في قطعه أو شقِّه
( 3 )صليب : قوي ، والجم هو الماء . . ويتجمل : يصبح جميلا في نظر العطشان .
( 4 ) يسوق : يروي ( من الري ) ورا _ أي خلف
اسوار(ن) _ جمع سور ، طال بناها _ أي طال بنيانها والمعني ان الماء يروي زرعا خلف أسوار إستغرق بنيانها وقتا طويلا
( 5 ) يمون حبه _ أي تتكاثر حبوبه
في وقت الشتي حندر _ الحندرة _ فتح العين بقوة والقصد ان عذوق الحب ( حب الذرة ) تتفتح في فصل الشتاء بسبب وفرة المياة حتى يخيل لمن يراها انها محندرة .


( الرد _ من ملاسي )
والله لتشكي النّدم والبرد ياضامن
لولا الضمانه يكن ماضاعت الجبة
لكن هذا جزا من عاد يتجمّل
صٌفَّه قبيحه تداوس لا طلبناها { 1 }
بـعــد الجمــيلة تقــل لي ياشتيــح أُنـــْدر

معاني الكلمات :
( 1 ) صُفّة _ ( بضم الصاد وتشديد الفا ) أي الجيل الذي كان على قيد الحياة آنذاك ، والضامن هو الكفيل .

رحم الله ملاسي ودغسان ورحم الله تلك الأرملة التي أخّرت إبنا بارا بها وبأبناء قريته وبالقرية نفسها فقد عاش مع والدته تلك الظروف الصعبة لكنهما أي ( الوالدة والظروف ) خلقا منه رجلا مكافحا خلوقا محبوبا حفر الصخر بيديه وتعلم في وقت لم يكن فيه التعليم متيسرا وتسنّم بعد ذلك مركزا مهمأ في الدولة لم يصل إليه أحد حتى ألان على حد علمي من أبناء قريته وهو المثل الأعلى لكاتب هذه السطور لكن ( أين الثرى من الثريا ياترى ) أسأل الله لهذا الرجل دوام الصحة والعافية وأن يجازيه عن والدته خير الجزاء فقد عوضها عن كل لحظة حرمان عاشتها وامتد خيره ليشمل القريب والبعيد ، بقي أن أقول لكم إخوتي


معذرة على ألإطناب فإني لا اجد وقتا للإيجاز ، شكرا لكم .

 

 
























التوقيع

مدّيت له قلبي وروّح وخلاه
الظاهر إنه ماعرف وش عطيته

   

رد مع اقتباس