عرض مشاركة واحدة
قديم 03-24-2013, 10:57 AM   رقم المشاركة : 3

 



رحم الله زميلي الشاعر الأديب عبد العزيز الرويس

كتبه / عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف


الدهر لاءم بين ألفتنا
وكذاك فرّق بيننا الدهر

كل يوم نفاجأ برحيل غالٍ الواحد تلو الآخر، فجادة الموت عامرة بسالكيها من قوافل الراحلين رجالاً ونساء شباباً وشيبا، فالموت لا يبقي على أحد مدى الليالي والأيام إلى قيام الساعة، فبينما هاتفت الأخ محمد بن الزميل عبد العزيز بن عبد الله الرويس للاطمئنان على صحة والده حيث كان يقيم بمستشفى الملك خالد الجامعي ما يقارب العام يكابد عقابيل المرض وأسقامه فأجابني ابنه البار.... وهو يكفكف عبراته قائلاً: عظم الله أجرنا وأجرك في زميلك والدنا، حيث صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها قبيل غروب شمس يوم الخميس ليلة الجمعة 2-5-1434هـ - رحمه الله - ولقد ولد يتيماً في بلدة اليمامة بمحافظة الخرج، فاحتضنه بعض أقربائه، وتعلم في إحدى الكتاب وختم القرآن الكريم وحفظ معظمه، وقد وهبه المولى ملكة الحفظ وحب سماع ما يلقى في مسجد محلتهم من أحاديث ودروس وما يقرأه الإمام في بعض كتب المطولات..

قبل الإقامة لصلاة العشاء كل ليلة فنما لديه حب العلم وطلبه لأجل أن يتناسى وطأة اليتم المبكر وحرمانه من حنان أبويه وليهيئ نفسه لحياة ومستقبل مشرق، وكأنه قد سمع قول الشاعر:

وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل


فلم ير بداً من الشخوص إلى مدينة الرياض والالتحاق بحلقات دروس العلم بمسجد الشيخ محمد بن إبراهيم بمحلة (دخنة) لتلقي مبادئ العلم لدى فضيلة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم بعد صلاة الفجر مباشرة في غربي المسجد، وبعد طلوع الشمس الاتجاه إلى شرقي المسجد لدى سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وقد سكن في إحدى حجرات البيوت التي أمر جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - بتهيئتها لطلاب العلم مع صرف مكافأة لكل طالب حسب مستواه العلمي ترغيباً لهم، فاستمر - أبو محمد- ينهل من حلو رضاب العلوم، وعند افتتاح المعهد العلمي بالرياض عام 1371هـ التحق به مواصلاً الدراسة به حتى نال الشهادة الثانوية عام 1374هـ ثم التحق بكلية اللغة العربية ونال الشهادة العالية بها عام 1378هـ ونعتبر ثاني دفعة بنفس الكلية وعددنا لا يتجاوز العشرين متخرجاً.. ثم وجه قاضياً بالرياض، فما كان منه إلا أن أعد قصيدة جزلة المعاني موجهة إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم الرئيس العام للمعاهد والكليات.

أبدى فيها اعتذاره عن العمل في سلك القضاء وتوجه للعمل بوزارة المعارف، ثم أعد سماحته خطاباً موجهاً إلى وكيل وزارة المعارف - آنذاك- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن حسن آل الشيخ مثنياً عليه فقال الشيخ عبد العزيز للزميل - أبو محمد- خطاب سماحة الشيخ محمد وثناؤه عليك نعتبره أعلى شهادة، وقد تدرج في عدة مناصب إدارية وتعليمية حتى أصبح مديراً عاماً للثقافة وأمينا عاماً للمجلس الأهلي لرعاية العلوم والفنون بوزارة المعارف - آنذاك - حتى تقاعد كما أنه قد أعير عضواً للتدريس في البعثة الجزائرية في أواسط الثمانينيات هو ونخبة من الزملاء، وكان له نشاط ثقافي ملحوظ هناك فهو محبوب لدى طلابه وزملائه، فالشيخ معروف بتواضعه الجم وسعة أفقه الثقافي والأدبي، وله ديوان (حصيد الزمن) حافل بغر القصائد جزلة المعاني وضافية الخيال البلاغي والأدبي، وشعره يحاكي شعر فحول شعراء العصر العباسي جودة وأسلوباً، ومن مؤلفاته بعض الكتب الدينية المدرسية وله نشاطات أخرى دينية وشعرية، وقد استقيت بعض هذه المعلومات من شريط سبق أن سجلته عنه في برنامج «أوراق شاعر» وقد ذكر في مستهله بعضاً عن سيرته - رحمه الله -:

ولي معه ومع الزملاء الذين سبقونا إلى مضاجع الراحلين أجمل الذكريات وأحلى أيام العمر، فالزملاء لهم مكانة عالية في شعاب النفوس يدوم بقاؤها، ولا ننسى تلك الرحلات التي نقضي أيامها ولياليها في نواحي مدينة الرياض، وفي ربوع منطقة الخرج ومتنزهات السيح في أجواء مرح وفرح بصحبة أولئك الزملاء الذين غاب معظمهم عنا تحت طيات الثرى - رحمهم الله - وأسعد من بقي منا. وقد كنت أزور الزميل الشيخ عبد العزيز الرويس في مرضه على فترات وهو يرقد في مستشفى الملك خالد الجامعي للاطمئنان على صحته، فيكثر الدعاء لي ولأسرتي، وأحاول أن أذكّره ببعض المواقف الطريفة مع أساتذتنا الأجلاء، ومع الزملاء الفضلاء داخل الفصول الدراسية لإدخال السرور على نفسه، وإيقاظ الخلايا الذهنية لديه، فتتهلّل أسارير محيَّاه مُومياً بمقدمة رأسه، وبداخله ما به من تحسر على تعذّر عودة تلك الأيام الجميلة التي مضت ولن تعود أبداً، ومحاجر عينيه تجول بهما الدموع، ولسان حاله في تلك اللحظات الحزينة يردد معنا هذا البيت:

ما أحسن الأيام إلا أنها
يا صاحبي إذا مضت لا تعود

وعندما هممت بالانصراف مودعاً له - وكان هو الوداع الأخير- أخذ يكرر لحظ عينيه نحوي محركاً شفتيه بالدعاء لي وكأنه يقول وداعاً أبا محمد، فدفعت دمع عيني أمامه حتى خرجت من غرفته، ولك أيها القارئ الكريم أن تتصوّر حالي في تلك اللحظة وأنا أودع صديقي ورفيق عمري الدراسي:

حبيب عن الأحباب شط به النوى
وأي حبيب ما أتى دونه البعد

وما لبث أن توفاه الله آخر يوم الخميس في 2-5-1434 هـ وأديت عليه صلاة الميت بعد صلاة الجمعة 3-5-1434هـ بجامع الراجحي، ودفن جثمانه الطاهر بمقابر حي النسيم بالرياض:

فيا ثاويا قد طيَّب الله ذكره
فأضحى وطيب الذكر عمرٌ له ثان
رحمه الله رحمة واسعة وألهم ذويه وأبناءه وأختيه ومحبيه الصبر والسلوان.

 

 

   

رد مع اقتباس