الموضوع: مدوّنة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2010, 02:12 PM   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 

مما أعجبني




((محطة أخيرة ))


( من ذاكرة الكتاب )








للكاتب : ساطع نور الدين


منذ أن ضاع التدوين من ثقافة الشرق، وترسخ الشعور بأنه لم يعد هناك ما يستحق الحفظ، بما في ذلك اليوميات التي يكتبها صحافيون ويوثقها رجال الامن والاستخبارات، صار الكتاب السياسي الاتي من الغرب حدثا استثنائيا، يهز المشرق ويشعل حنينه الى القراءة، ويدفع القارئ العربي الى البحث بين السطور عما منع نشره في اللغة العربية، أو عما لا يجوز تعميمه لأسباب أمنية أو دينية شتى.
الكتب السياسية الاتية من الغرب التي انهالت على القارئ اللبناني والعربي مؤخرا، لم تجد ما ينافسها ولن تجد حتى من يرد عليها. معظم ما تقوله حقائق ووقائع لا تدحض، لكن بعضها مبالغ فيه او مجتزأ أو هو من خارج السياق الذي وضعه المؤلف البارز عندما قرر التوجه الى جمهوره الغربي، لكي يكسب بعض الاحترام لمحافظته على تقليد سياسي عريق، أو لكي يحظى ببعض التكريم والتبرير لأفعال غالبا ما كانت مثيرة للجدل أو الشك.
قد يقال إن هذا السيل من الكتب هو نوع من الغزو الثقافي الذي يفرض قيما ومعارف ومعلومات خاصة على جمهور يعيش في فراغ، أو فوضى، لكن المؤكد أنه أحد أهم وأجدى أنواع الغزو الذي يتعرض له الشرق العربي والاسلامي، لأنه يمكن أن يدفع الكتّاب العرب والمسلمين او يستفزهم على تقليد الغزاة الاجانب واستعادة تلك العادة الحميدة في التدوين والحفظ والنشر، ولو بعد حين.
ثمة ذاكرة متصلة في الغرب، تحفظ كل ما يمر أمام العين والسمع. وهي ليست ذاكرة موضوعية ولا تدعي أنها كذلك، بل تعترف بين الحين والاخر انها انتقائية محكومة بالاهواء والمصالح والاشخاص. وغالبا ما تنكر تعريف الكتاب بصفته وثيقة للتاريخ، وتتعامل معه بصفته ورقة للتسويق والترويج الى حد الابتذال... على نحو ما شهده كتاب الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، «لحظات القرار»، الذي حقق ارقاما قياسية في المبيعات في الايام الاولى لنزوله الى المكتبات قبل ان يتبين ان مؤلفه، الذي لم تعرف عنه مهارة الكتابة والقراءة، نسخ بعض فصوله ومقاطعه من كتب سابقة لمدونين وصحافيين كتبوا عنه.
مع ذلك، فان ذلك الكتاب وغيره من الكتب السياسية لاسيما تلك التي تروي وقائع السنوات العشر الاولى من القرن الحادي والعشرين، يجري تداولها بكثرة في بيروت والقاهرة وبغداد، ويتم التعاطي مع فصولها باعتبارها مسلمات نهائية غربية او حتى توجيهات استراتيجية، تحدد طبيعة العلاقة بين الغرب والشرق للعقود المقبلة... وتردم هوّة معرفية لا يمكن لاحد من العرب والمسلمين أن يتصدى لها، ولا حتى بالنفي والتوضيح، على ما هي العادة مع ما ينشر في الصحافة اليومية.
في كثير من هذه الكتب الغربية قرائن واتهامات تدين أنظمة ومؤسسات وأحزابا عربية واسلامية، لاذت كلها بالصمت، ليس لأنها تنكر ما كتب او تستخف به، لكن لأنها تحتقر الكتاب وتعتبره اعتداء على وعي جماعي مقفل، حاول الاسلاميون يوما اختراقه بالكتب والخطب، لكنهم انحدروا سريعا الى الفتنة التي تلاقي منشوراتها هذه الايام رواجا منقطع النظير.

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس