عرض مشاركة واحدة
قديم 05-28-2014, 09:56 AM   رقم المشاركة : 1
فقيدنا الوزير الأمين عبدالعزيز الخويطر - بقلم: الدكتور سعيد بن عطية أبوعالي


 

.

*****

الأربعاء 29 رجب 1435هـ

فقيدنا الوزير الأمين عبدالعزيز الخويطر


بقلم: الدكتور سعيد بن عطية أبوعالي*

فقدت بلادنا وأهلونا ابنا بارا من ابناء الوطن يوم الاحد 26/رجب/1435هـ وهو الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، وهو أول سعودي يتخرج في جامعة لندن بدرجة الدكتوراة عام 1960م. وأول سعودي يرأس جامعة الملك سعود. وهو الوزير الوحيد الذي لم يُقل "من الإقالة" ولم يُحل "من الإحالة" على التقاعد، ولم يخرج من مجلس الوزراء، اتّسم بالأمانة والاخلاص في خدمة الدين والملك والوطن.

لقائي الاول معه كان ضمن خطاب أرسلته له من منطقة الباحة في عام 1384هـ، أطلب موافقته على قبولي طالبا منتسبا بكلية التجارة بجامعة الملك سعود. وتم قبولي من ضمن اربعين طالبا اختارهم من بين المتقدمين لهذه الكلية وعددهم ثلاثمائة، وكان الوزير الفقيد يومها مديرا لجامعة الملك سعود.

لقائي الثاني كان لقاء شخصيا، عندما اختارني للعمل مديرا عاما للتعليم بالمنطقة الشرقية عام 1397هـ، وعملت تحت رئاسته ثمانية عشرا عاما.

العمل مع عبدالعزيز الخويطر - رحمه الله رحمة الابرار - كان ماتعا ومنتجا؛ لأنه كان لطيف المعشر، فلا تسمع منه كلمة نابية حتى في وقت اللوم أو العتاب، وكان أمين الجانب فهو لا يسمع في أي موظف يعمل معه حتى يتأكد بنفسه. وهذا المعشر اللطيف وهذا الجانب الأمين أعطاني حافزا للتفاني في اداء واجبي خدمة للتعليم بالمنطقة الشرقية وبالمملكة ولله الحمد، كان يتجاوز عن الخلافات الادارية عندما يتحقق انها بسبب تحقيق مصلحة العمل والسمو بالاداء نحو الاهداف العليا للتعليم.

زار الادارة العامة للتعليم بالمنطقة الشرقية عام 1399هـ. وكان مكتبي يومها في مبنى مدرسي جاهز بالدمام. وعند توديعي له قلت له: إنني احيانا اشعر ان الصلاحيات تقيدني عن تحقيق مطالب العمل مما يجعلني اضطر لتجاوزها، قال لي بهدوء: (كما يقول المثل سلمتك العصا فامسكها من الوسط).


زار الادارة العامة للتعليم في مبناها الحالي بالدمام على طريق الملك فهد، وأظن ذلك في عام 1402هـ واصطحبته الى مركز الوسائل التعليمية (في مقر الادارة القديم بحي العدامة) الذي كان الاول على مستوى المملكة، وأعجب بالفكرة والتنظيم والانجاز.

جاء للمنطقة الشرقية في معيّة الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - وطلب مني زيارة احد المباني المدرسية الجديدة، فاصطحبته ومعه الوزير الدكتور سليمان السليم والدكتور محمد عبده يماني - رحمهم الله - الى مبنى مدرسة طارق بن زياد الابتدائية باعتباره احدث المباني المدرسية الحكومية. وتجولوا في المبنى بأدواره الثلاثة. وأعجبتهم فكرة "مركز التعلم" الذي كنا نقيمه بكل مدرسة يسمح مبناها بذلك؛ لأنه يضم المكتبة المدرسية والوسائل التعليمية ومكتبة الافلام التعليمية وودعتهم عند باب المدرسة.

زرته في مكتبه بالرياض مرات كثيرة. وفي احدى المرات كان عنده الدكتور محيي الدين صابر - رحمه الله - الذي كان مديرا عاما لمنظمة التربية والثقافة والعلوم بجامعة الدول العربية، والدكتور محيي سوداني كان وزيرا للتعليم بالسودان، ووجّه له الدعوة للعشاء في بيته، وكان يقول له: اذا وصلت الشارع الفلاني "نسيت اسم الشارع" فعد البيوت حتى البيت الخامس الذي لا تتصور انه بيت وزير فهو بيتي.

زرته في مكتبه مرة، وخرج من عنده قبل ان ادخل اليه الشيخ خلف الشميلا شيخ هجرة المصندق، وتعانقنا ولكن الشيخ خلف كان مكتئبا وحزينا، فسألته عمّا به فقال: صدر قرار وزاري باغلاق مدرسة هجرتنا، فطلبت من الشيخ الشميلا ينتظرني حتى اخرج من عند الوزير، دلفت الى مكتب معاليه كالعادة، ووقف محييا وهو يقف لكل من يلج مكتبه، وناقشت معه امور المنطقة الشرقية.

وقفت مستأذنا للخروج، ووقف كما هي عادته مودعا، وقلت له: يا دكتور عبدالعزيز انا الذي طلبت اليك اعتماد مدرسة المصندق عندما كنت مسؤولا عن التعليم في منطقة الحدود الشمالية، وهي مدرسة تبعد عن طريق الاسفلت خمسة واربعين كيلا، وتقع على إحدى آبار طرق الحج الذي عبدته السيدة زبيدة زوج هارون الرشيد. ولكن المسافة من الاسفلت الى الهجرة لا تزال طريقا ترابيا، وقد استغرقنا للوصول اليها يوم فتح المدرسة ساعتين وأربعين دقيقة ذهابا. وأهالي الهجرة «المصندق» يستحقون مدرسة حتى لطالب واحد من وجهة نظري.

قال لي الوزير الأمين: هل أنت مسؤول عما تقول فقلت نعم! وصمت فقلت: هل اطلب الى الشيخ خلف الشميلا يعود إليك؟ قال: نعم، وتراجع الوزير الأمين عن قراره وأمر باستمرار المدرسة في هجرة المصندق.

اشتهر بالتصميم على أي قرار يخصه، ففي الاحتفال الاول لمنح جائزة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز للتفوق العلمي، رشحته لسمو الأمير ليكون ضيف شرف متحدثا بذلك الحفل كونه اول سعودي يحصل على درجة الدكتوراة، أبرقت له أدعوه ورد علي برقيا يشيد بالجائزة وصاحبها، ويعتذر الي عن عدم قدرته على الحضور.

قررت الذهاب اليه بالرياض وتكرار الدعوة وعلى غير موعد ذهبت.. استقبلني وبدأ هو بالاعتذار!! قلت له: أعرني سمعك يا معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر، لقد رشحتك لحضور الاحتفال الاول ليس لأنك الوزير الأثير لدى القيادة، ولا لأنك وزير المعارف "التربية والتعليم" ولا لأنك رئيسي في العمل، ولا لأني موظف عندك.. ولكن لأنك المواطن السعودي الاول الذي حصل على درجة "الدكتوراة" فحضورك سيكون للطلاب والشباب مثالا يحتذى، وللذين هم في عمري مثار اعجاب وتقدير.

ابتسم الوزير وقال: (حاضر سوف احضر الحفل ان شاء الله، ولكني اصحح معلوماتك، أنا لست أول سعودي يحصل على الدكتوراة، فقد سبقني اليها سعودي آخر ولكنه يقيم على ما اعتقد في سوريا).

استغرقت المقابلة خمس دقائق فقط، خرجت بعدها للسلام على مدير مكتبه الخاص الخلوق الودود الأستاذ عبدالرحمن الشويعر، وأخبرته بموافقة الوزير فقال: وافق لك بهذه السرعة؟! قل لي ماذا قلت له؟! قلت متباهيا هذا سر.

روى لي احد الاصدقاء من ابناء منطقة الباحة وبيته بالرياض، انه مع آخرين بنوا بيوتا جديدة في احد احياء الرياض الجديدة. وبعدما سكنوا جاء الدكتور عبدالعزيز الخويطر وبنى بيتا في نفس الحي، يقول صديقي ابتهجنا بجواره لنا لسمعته الطيبة، وقال: تعودت مع جيراني وأغلبهم من نجد ان نحتفل بعيد الفطر، بأن يحضر كل منا طبقا معينا من منطقته، ونقيم الحفل في ساحة المسجد بعد عودتنا من مسجد العيد "المشهد".

وكان الخويطر يصلي معنا الفروض وكذلك التراويح في رمضان ما لم يكن بالوزارة أو بالديوان الملكي، وعندما اقترب العيد اختار جيران المسجد صديقي ابن الباحة يفاتح الدكتور الخويطر في ترتيبهم المعتاد للعيد، فيقول: فاجأني بسرور بالغ عندما قال: (هذا احسن ترتيب، وشغلكم عدل) والمفاجأة الأكبر عندما حضر الوزير الشهير يحمل طبقا في يده اليمنى، ويمسك ابنه محمد بيده اليسرى، فوضع طبقه بين الاطباق واستدار يسلم على الجميع واحدا واحدا، ثم بدأ معهم الافطار، وكان يأكل من كل طبق، ويسأل صاحبه مما يُصنع وكيف يُصنع، والاجمل ان صديقي قال: أشهد انه حلَّ بينا بكل هدوء.. ولم يميز بيته بحركة غير عادية الا في الامسيات التي يأتي اليه فيها ضيوف.

اختارني لعضوية مجلس جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ممثلا لوزارة المعارف لدورتين متتاليتين. اختارني للعمل وكيلا مساعدا للوزارة لشؤون المعلمين، واستصدر موافقة مجلس الوزراء على ذلك. واعتذرت عندما وجدت صعوبة في الانتقال. وقَبِلَ اعتذاري وكتب بذلك للمقام السامي.

ولأن عملي مع الخويطر كان انجازا في اغلب الاوقات، فقد كتب لي بخط يده ردا على خطاب مني: "سعادة الدكتور سعيد ان هذا الجهد مشكور، وقد بدت نتائجه تظهر في المدارس التي تبنى، والاراضي التي اُختيرت، والمشاكل التي حُلت، وفقك الله وسدد خطاك، عبدالعزيز الخويطر 28/12/1400هـ".

ليعذرني القارئ على سردي مواقف لي مع الفقيد الكبير. ولكني رأيت ذلك افضل دليل للحديث عن مناقبه الحميدة، رحمه الله وجزاه خيرا عمّا قدمه للوطن، وأسكنه فسيح جناته. ولحرمه المصون وابنه محمد ولبناته عبير وأريج ولمى، ولجميع آل الخويطر أصدق التعازي في فقيدي وفقيدهم.

*مدير عام التعليم الاسبق بالمنطقة الشرقية

*****

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس