عرض مشاركة واحدة
قديم 03-24-2013, 10:48 AM   رقم المشاركة : 1
Sabr6 حصيد الزمن لعبدالعزيز بن عبدالله الرويس...


 


حصيد الزمن لعبدالعزيز بن عبدالله الرويس...

خالد محمد الخنين

مجموعة الشعر المعني بالأصيل والحكمة والتراث...

الشاعر عبدالعزيز بن عبدالله الرويس راوية من رواة الشعر والأدب والتاريخ وهو في مجموعته حصيد الزمن.. شاعر مبتكر للحداثة الشعرية بواقعية شعر الأمة الأصيل. لقد ذهب مذهب الذين قاموا بصياغة لغتهم الشعرية في إطار واقعية التراث الشعري التاريخي، والراهن المعاصر، ضمن قالب خاص بالشاعر يضعه في مصاف الشعراء المجددين الذين حملوا على عاتقهم النهوض بلغة الشعر والأدب إلى لغة الحياة، وقضايا الأمة المصيرية.. الشعر الذي يخاطب الوجدان بأبهى حلله وصوره، ومناخاته الوارفة:

لهف نفسي وكم تريد القوافي

بهجة النفس، والهموم عليا

اعذريني فما الزمان براض

وحبالي تقطعت في يديا

وبحار الحياة تلطم صرحي

وبراقة النجاة ليس لديا

يا ربي الأهل والسلام خذيني

واريحي من وقفتي قدميا

لغة الشعر عند الشاعر عبدالعزيز الرويس لغة تستقي من نضارة الماضي، وعصرية الراهن المعاش بمرارته، وأحداثه الدامية... لغة ترتقي بشاعرها فوق خضم الراهن القاتم الحزين... وتبرأ القصيدة في حصيد الزمن من تلك الهنات التي يقع في مطبها شعراء معاصرون كثيرون.. حيث الرموز الغامضة، والاستهلالات المتكئة على شعر الغرب وأشعاره التي لا تمت للعروبة والإسلام بصلة، الشاعر الرويس يغرد داخل سرب الشعر العربي الجميل، ويجيد اختيار أبياته ومقاطعه، وقصائده اختياراً رائع الدلالة والقيمة والحدث:

أنا للمعالي قد نذرتُ يراعتي

أبعدتُها عن راغبٍ بزمامي

سِرْ في ميادينِ الحياةِ بحكمةٍ

واتركْ هديراً في كثيرِ زِحام

يا صُبحُ إني في رحابِك مُفعَمٌ

وأرى خُطايَ تقدمت لمرامي

العاشِقُون يَرَونَ في الليل المُنى

وأنا أحِبُّ الصُّبحَ في تَهيامي...

إجادة تامة شفيفة لحركة البيت وحركة المقطع بمجمله، وحركة القصيدة على وجه العُموم.. شعرٌ متفائلٌ، مُتجاوزٌ لمحنِ الحياة وخطوبها، وأحداثها الجسام.. يرى سيرورة الحياة تكمنُ فيما يختصُّ بسلوكيات المرء، وعلاقته الإنسانية بالناسِ والحياة. يحمل الشاعر فكراً نَيِّراً خلاَّقاً، وعارماً بالوجدانيات الفذَّة، يرقى بها حيث عالم الشعر المُرهف، وملكوت القصيدة المروية بحرارة نبضها، وانبثاقها الحي بدلالاتها الموحية المعبرة عن مكنون ومخزون الشاعر الكبير.. وهو (أي الشاعر) يرصد على مستوى الوطن أحواله وسيرته الذاتية، وعلى مستوى الأمة أحوالها، ومنهج حياتها الوطني والمعيشي، وعلى مستوى الذات يرصد شاعرنا الرُّويس طموحات الرُّوح، ومتطلبات الوجدان الزاخر بالجمالياتِ، ورائع الأشياءِ الجميلة... وتظل الحكمة ضالة الشاعر في الدَّهر:

أنتَ يا دَهْرِيَ تعلمُ أني

صابرٌ لَمْ أشكُ أحمالاً ثِقالاً

هًل لفردٍ أن يُعادي دهرَهُ

هو أقوى لو تحوَّلنا جبالاً

دافعِ الدَّهرَ بصبرٍ وَحِجاً

صارع الأجيالَ وانظرها تتالى

أيُّها الدَّهرُ وكم تُنهى خُطَىً

لم تميز بين فَذّ وكُسالى

يمشي الشاعر على نسق المتنبي وأبي تمام، والشعراء التراثيين في شعر الحكمة، وشعر الدلالات المأخوذة من سياق الشعر العربيّ الأصيل... إنه يحدث الدَّهرَ على أنه كائنٌ إنسانيّ ولكن بصفات عُليا، وقيمة فوق إطار الصِّفة العُمومية المشتركة بين الناس... وَمُحَادثةُ ومخاطبةُ الدَّهر قيمة شعرية درج عليها الأوائل، والشعراء الأقدمون.. ثم ها هي تنتقل إرثاً تراثياً للشعراء المعاصرين حتى أصبحت جزءاً من حكمة القصيدة عبر امتداد القرون وحقب الشعر المُتعاقبة. في أماني النفس يخاطب الشاعر النَّفْسَ على أنها كينونة حَيَّة قائمة بذاتها.. نفس تحمل العمر أمنيات كثيرة وعديدة، ولكن الشاعر يضبط أمنيات النفس بصياغة التعاليل الموجبة لذلك في قصيدته التي تُخاطب بها النفس بقوله:

لكِ يا نَفْسُ أمانٍ

لكنِ الخَطْوُ بعيد

من تُرى خُلّدَ فينا

أو تأبى لا يبيد

رحلةُ العُمرِ تتالى

تقرطُ العِقْدُ النَّضيد

وجديدُ اليوم يبلى

بعدما يأتي جديد...

يخطو الشعر العربيُّ السعوديّ المعاصر خطوات هامَّة باتجاهِ التجديد والابتكار، ولكنه في الوقت ذاتِه لا ينسى إطلاقاً أن يرتدَّ بحاضره إلى قيمة شعرهِ العربيّ الأصيل... وهكذا يفعل الشاعر الرويس شاعر أصيل مهتم بناحيتي التراث والمعاصرة... لكن ميله للشعر «الكلاسيكي» ذي الطبيعة الرومانسية الشفيفة يظل الأقرب لروح الشاعر، وطبيعته الشعرية المستمدة منظومتها الشعرية من نظام البيت والرؤية الشعرية المعتمدة على وحدة القصيدة، وعلاقة الأبيات الواحدة المتماثلة في الشكل والمضمون والرؤية:

أيا نَفْسُ عصري بالمعارفِ يزخرُ

فَهَل نِلتِ منها ما يُعِزُّ وَيُكبِرُ

رعى الله آباءً بَنَوا ما يُعِزُّنا

وقدراتُهم ليست كما نَتَصَوَّرُ

خذوا منهجَ الماضين عزْماً وَقُوَّةً

وَخَلُّوا مَسارَ العُمْرِ يُعطي ويثمرُ

فما خلتُ في دَرْبِ التَسيُّبِ عِزَّةً

ولا العُجْبُ يُعطينا مكاناً يُقَدّرُ

ذلك هو الشاعر المبدع (عبدالعزيز الرويس).. شاعر مجيد ونفحة عطاء جادة، ومتميزة، وهادفة.. إنه من ربوع الوطن شاعراً ومثقفاً وإنساناً وراويةً لا أعتقد أن له شبيهاً في عصره داخل المملكة.

ولد ببلدة اليمامة من بلاد الخرج تلقى أصول تعليمه الأولية على يد عدد من المشايخ.. تخرج من كلية اللغة العربية عام 8731ه، وتدرج في عدة مناصب إدارية وتعليمية حتى أصبح مديراً عاماً للثقافة وأميناً عاماً للمجلس الأهلى لرعاية العلوم والفنون (بوزارة المعارف).

شاعرٌ أعطى للكلمة حقها، وللقصيدة رحيق قلمه اللَّماح، وللشعر نكهته الوارفة.. رجل صادق في شعره ووجدانه، وتوجهه الوطني.

وستذكر الأجيال في المملكة شاعراً أصيلاً ومعاصراً من شعراء العربية المجيدين هو الشاعر (عبدالعزيز الرويس) وستذكر المكتبة العربية مجموعته الشعرية الجميلة (حصيد الزمن) على امتداد الحقب والأعوام.

 

 

   

رد مع اقتباس