عرض مشاركة واحدة
قديم 08-18-2008, 06:27 PM   رقم المشاركة : 27

 

.

*****

قصيدة ( البردة ) للبوصيري


مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهـم
أمن تذكر جيرانٍ بذى سلم = مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بـدم
َمْ هبَّت الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمةٍ = وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتا = وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم = ما بين منسجم منه ومضطرم
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طـــــللٍ = ولا أرقت لذكر البانِ والعلمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شهدت = به عليك عدول الدمع والسقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضنى = مثل البهار على خديك والعنم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني = والحب يعترض اللذات بالألمِ
يا لائمي في الهوى العذري معذرة = مني إليك ولو أنصفت لم تلمِ
عدتك حالي لا سري بمستتر = عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
محضتني النصح لكن لست أسمعهُ = إن المحب عن العذال في صممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عذلي = والشيب أبعد في نصح عن التهتمِ
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهـم
فإن أمارتي بالسوءِ ما أتعظت = من جهلها بنذير الشيب والهرم
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى = ضيف ألم برأسي غير محتشم
لو كنت أعلم أني ما أوقره = كتمت سراً بدا لي منه بالكتمِ
من لي برِّ جماحٍ من غوايتها = كما يردُّ جماح الخيلِ باللُّجـُم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها = إن الطعام يقوي شهوة النَّهم
والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ على = حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه = إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمالِ سائمةٌ = وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذةً للمرءِ قاتلة = من حيث لم يدرِ أن السم فى الدسم
واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع = فرب مخمصةٍ شر من التخم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت = من المحارم والزم حمية الندمِ
وخالف النفس والشيطان واعصهما = وإن هما محضاك النصح فاتَّهِم
ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً = فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
أستغفر الله من قولٍ بلا عملٍ = لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقـُم
أمْرتُك الخير لكن ما ائتمرت به = وما استقمت فما قولى لك استقمِ
ولا تزودت قبل الموت نافلةً = ولم أصل سوى فرض ولم اصم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهـم
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى = أن اشتكت قدماه الضر من ورم
وشدَّ من سغب أحشاءه وطوى = تحت الحجارة كشحاً مترف الأدم
وراودته الجبال الشم من ذهبٍ = عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته = إن الضرورة لا تعدو على العصم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من = لولاه لم تخرج الدنيا من العدمِ
محمد سيد الكونين والثقليـن = والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ = أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته = لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستسكون به = مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلـُقٍ = ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ = غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهم = من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهو الذي تم معناه وصورته = ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم
منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه = فجوهر الحسن فيه غير منقسـم
دع ما ادعته النصارى في نبيهم = واحكم بماشئت مدحاً فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شــرف = وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له = حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم
لو ناسبت قدره آياته عظماً = أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
لم يمتحنا بما تعيا العقول به = حرصاً علينا فلم نرْتب ولم نهمِ
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى = في القرب والبعد فيه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعُدٍ = صغيرةً وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته = قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحلمِ
فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ = وأنه خير خلق الله كلهمِ
وكل آيٍ أتى الرسل الكرام بها = فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضلٍ هم كواكبها = يظهرن أنوارها للناس في الظلم
أكرم بخلق نبيّ زانه خلقٌ = بالحسن مشتمل بالبشر متسـم
كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ = والبحر في كرمٍ والدهر في همم
كانه وهو فردٌ من جلالته = في عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنما اللؤلؤ المكنون فى صدفٍ = من معدني منطق منه ومبتسم
لا طيب يعدل تُرباً ضم أعظمهُ = طوبى لمنتشقٍ منه وملتثمِ
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
أبان موالده عن طيب عنصره = يا طيب مبتدأ منه ومختتم
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهم = قد أنذروا بحلول البؤْس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ = كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسفٍ = عليه والنهر ساهي العين من سـدم
وساءَ ساوة أن غاضت بحيرتها = ورُد واردها بالغيظ حين ظمي
كأن بالنار ما بالماء من بلل = حزناً وبالماء ما بالنار من ضرمِ
والجن تهتف والأنوار ساطعةٌ = والحق يظهر من معنى ومن كلم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم = تسمع وبارقة الإنذار لم تُشـَم
من بعد ما أخبره الأقوام كاهِنُهُمْ = بأن دينهم المعوجَّ لم يقمِ
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهـب = منقضةٍ وفق ما في الأرض من صنم
حتى غدا عن طريق الوحى منهزمٌ = من الشياطين يقفو إثر منهزم
كأنهم هرباً أبطال أبرهةٍ = أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمى
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهما = نبذ المسبِّح من أحشاءِ ملتقم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة = تمشى إليه على ساقٍ بلا قدم
كأنَّما سطرت سطراً لما كتبت = فروعها من بديع الخطِّ في اللقم
مثل الغمامة أنَّى سار سائرة = تقيه حر وطيسٍ للهجير حَم
أقسمت بالقمر المنشق إن له = من قلبه نسبةً مبرورة القسمِ
وما حوى الغار من خير ومن كرم = وكل طرفٍ من الكفار عنه عـم
فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يرما = وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على = خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفـةٍ = من الدروع وعن عالٍ من الأطــُم
ما سامنى الدهر ضيماً واستجرت به = إلا ونلت جواراً منه لم يضم
ولا التمست غنى الدارين من يده = إلا استلمت الندى من خير مستلم
لا تنكر الوحي من رؤياه إن له = قلباً إذا نامت العينان لم ينم
وذاك حين بلوغٍ من نبوته = فليس ينكر فيه حال محتلم
تبارك الله ما وحيٌ بمكتسبٍ = ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهم
كم أبرأت وصباً باللمس راحته = وأطلقت أرباً من ربقة اللمم
وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوته = حتى حكت غرة في الأعصر الدهم
بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بها = سيبٌ من اليم أو سيلٌ من العرمِ
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
دعني ووصفي آيات له ظهرت = ظهور نار القرى ليلاً على علم
فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظمٌ = وليس ينقص قدراً غير منتظم
فما تطاول آمال المديح إلى = ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيم
آيات حق من الرحمن محدثةٌ = قديمةٌ صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمانٍ وهي تخبرنا = عن المعادِ وعن عادٍ وعن إِرَم
دامت لدينا ففاقت كلَّ معجزةٍ = من النبيين إذ جاءت ولم تدمِ
محكّماتٌ فما تبقين من شبهٍ = لذى شقاقٍ وما تبغين من حكم
ما حوربت قط إلا عاد من حَرَبٍ = أعدى الأعادي إليها ملقي السلمِ
ردَّتْ بلاغتها دعوى معارضها = ردَّ الغيور يد الجاني عن الحرم
لها معانٍ كموج البحر في مددٍ = وفوق جوهره في الحسن والقيمِ
فما تعدُّ ولا تحصى عجائبهـا = ولا تسام على الإكثار بالسأمِ
قرَّتْ بها عين قاريها فقلت له = لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
إن تتلها خيفةً من حر نار لظى = أطفأت حر لظى من وردها الشم
كأنها الحوض تبيض الوجوه به = من العصاة وقد جاؤوه كالحمم
وكالصراط وكالميزان معدلةً = فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لا تعجبن لحسودٍ راح ينكرها = تجاهلاً وهو عين الحاذق الفهم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد = وينكر الفم طعم الماءِ من سقم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خير الخلق كلهم
يا خير من يمم العافون ساحته = سعياً وفوق متون الأينق الرسم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبرٍ = ومن هو النعمةُ العظمى لمغتنم
سريت من حرمٍ ليلاً إلى حرمٍ = كما سرى البدر في داجٍ من الظـلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلةً = من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
وقدمتك جميع الأنبياء بها = والرسل تقديم مخدومٍ على خدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم = في مركب كنت فيه صاحب العلم
حتى إذا لم تدع شأواً لمستبقٍ = من الدنوِّ ولا مرقى لمسـتنم
خفضت كل مقامٍ بالإضافة إذ = نوديت بالرفع مثل المفردِ العلم
كيما تفوز بوصلٍ أي مستترٍ = عن العيون وسرٍ أي مكتتم
فحزت كل فخارٍ غير مشتركٍ = وجزت كل مقامٍ غير مزدحم
وجل مقدار ما وليت من رتبٍ = وعز إدراك ما أوليت من نعمِ
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا = من العناية ركناً غير منهدم
لما دعا الله داعينا لطاعته = بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا = على حبيبك خيــر الخلق كلهـم
راعت قلوب العدا أنباء بعثته = كنبأة أجفلت غفلا من الغنمِ
ما زال يلقاهمُ في كل معتركٍ = حتى حكوا بالقنا لحماً على وضـم
ودوا الفرار فكادوا يغبطون به = أشلاءَ شالت مع العقبان والرخم
تمضي الليالي ولا يدرون عدتها = ما لم تكن من ليالي الأشهر الحُرُم
كأنما الدين ضيفٌ حل ساحتهم = بكل قرمٍ إلى لحم العدا قرم
يجر بحر خميسٍ فوق سابحةٍ = يرمى بموجٍ من الأبطال ملتطم
من كل منتدب لله محتسبٍ = يسطو بمستأصلٍ للكفر مصطلمِ
حتى غدت ملة الإسلام وهي بهـم = من بعد غربتها موصولة الرحم
مكفولةً أبداً منهم بخير أبٍ = وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم = ماذا رأى منهم في كل مصطدم
وسل حنيناً وسل بدراً وسل أُحداً = فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخم
المصدري البيض حمراً بعد ما وردت = من العدا كل مسودٍ من اللممِ
والكاتبين بسمر الخط ما تركت = أقلامهم حرف جسمٍ غير منعجِم
شاكي السلاح لهم سيما تميزهـم = والورد يمتاز بالسيما عن السـلم
تهدى إليك رياح النصر نشرهم = فتحسب الزهر في الأكمام كل كم
كأنهم في ظهور الخيل نبت رباً = من شدة الحَزْمِ لا من شدة الحُزُم
طارت قلوب العدا من بأسهم فرقاً = فما تفرق بين الْبَهْمِ وألْبُهـُمِ
ومن تكن برسول الله نصرته = إن تلقه الأسد فى آجامها تجمِ
ولن ترى من وليٍ غير منتصرٍ = به ولا من عدوّ غير منفصم
أحل أمته في حرز ملته = كالليث حل مع الأشبال في أجم
كم جدلت كلمات الله من جـدلٍ = فيه وكم خصم البرهان من خصـم
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجزةً= في الجاهلية والتأديب في اليتـم


*****

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس