الموضوع: مقال اليوم...
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-13-2009, 09:04 PM   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
عضو نشط
 
إحصائية العضو










srab غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
srab is on a distinguished road


 

الأصوليات والأنموذج الحوثي: محاولة للفهم

شتيوي الغيثي

برز على السطح الإعلامي وجود الحركة الحوثية في شمال اليمن في الأشهر الثلاثة الأخيرة حتى استطاعت لفت الأنظار إليها في عملياتها ضد الدولة اليمنية، على الرغم من وجودها التنظيمي طيلة السنوات الست الماضية، لكنها وقعت بين فكي التنين كما يقال، حينما تجرأت هذه الحركة وحاولت الاستيلاء على مناطق حدودية من الجنوب السعودية، وهذا النوع من العمليات يعتبر أقرب إلى الانتحار منه إلى المناورة السياسية، فمن بديهيات السياسة عدم الدخول في معارك غير متكافئة إطلاقاً؛ إذ لايمكن مقارنة قوة حركة تنظيمية مهما كان الدعم الذي تحظى به من أي طرف مع قوة دولة مثل السعودية، وتورط الحوثيين مع الدولة السعودية يشي بنوع من السذاجة السياسية في قيادات هذا التنظيم؛ إلا إذا كانت اللعبة لها مآرب أخرى لبعض الدول التي تدعم التنظيم كالدولة الإيرانية مثلاً، وهذا مايرجحه بعض المراقبين والمحللين السياسيين في الوسائل الإعلامية المختلفة.
وقد خرجت الحركة الحوثية على الواقع السياسي اليمني لتعيد ملف التنظيمات السياسية والحزبية الإسلاموية إلى الرفوف الأمامية في التحليلات السياسية العربية؛ إذ فضلا عن عملياتها العسكرية في الشمال اليمني، والاضطرابات السياسية التي خلقتها، فإنها تحاول أن تضع مشروعها الفكري والديني كبديل عن المشروع السياسي الذي قامت عليه الدولة اليمنية الحالية، وهذا في الحقيقة يكاد يتطابق مع كل المشاريع السياسية التي تقوم عيها الأصوليات الحركية في العامل الإسلامي؛ إذ تناهض هذه الأصوليات المشاريع السياسية القائمة وتضع مشاريعها كبديل عن المشروع الأساس، وربما كان هذا بسبب ضعف المشروع الوطني المطروح من قبل الدول العربية خاصة لدى تلك الدول التي قامت على مشروع القومية أكثر من غيرها كونها قامت على الرؤى الإيديولوجية النضالية أكثر من المشروع التنموي؛ لذلك تطرح الأصوليات الحركية نفسها كنوع من ردة الفعل المضادة لهيمنة الحزب الحاكم حتى أصبحت هذه الأصوليات مؤثرة على الاستقرار السياسي في الجمهوريات العربية، وجميعها تتكئ على فكرة الثورية والانقلاب الراديكالي، ومن هنا تنشأ وتتكرر بؤر التوتر السياسي في هذه الدول، كما أن الشعارات التي قامت عليها إنما هي شعارات مثالية لم تطبق على أرض الواقع كالديمقراطية التي كانت تنادي بها بعض الدول العربية، ويمكن أن نسميها ما شئنا إلا أن تكون ديمقراطية حقيقة، وإلا ما معنى أن يفوز الحزب الحاكم كل هذه السنوات بنسب غير معقولة مطلقاً تصل إلى تسع وتسعين بالمئة من الأصوات، على الرغم من وجود الأحزاب المناهضة للحزب الحاكم؟!.
في مثل هذه الأجواء السياسية تنشأ الأصوليات وتتنوع حسب المعطيات السياسية، ومدى الاستقرار السياسي من دولة إلى أخرى، وقد كشفت الحركة الحوثية عن معطيات فكرية لفهم التحرك الأصولي الإسلامي على اختلاف المرجعيات المذهبية بين حركة وحركة. طبعاً لا يمكن اتهام المذهب الأصل الذي حاولت أن تتكلم باسمه هذه الحركات سواء كانت سنية كما هو لدى القاعدة، أو شيعية كما لدى الحوثيين لفرضية بسيطة في الذهن تقوم على أن المذاهب متعددة الفكر ومتفاوتة الاعتدال أو التطرف والتشدد داخل المذهب الواحد، وقد أثبت شيعة السعودية قيمة الاعتدال والحس الوطني في الوقوف مع الدولة، كما صرح بذلك الشيخ حسن الصفار، وإدانة التسلل الحوثي للأراضي السعودية، وهذا يدل عن رؤية معتدلة للأخوة المذهبية.
أقول: كشفت الحركة الحوثية عن أسباب سوسيوثقافية لفهم تكون الحركات الأصولية وانتشارها في بلد عن بلد آخر بغض النظر عن نوعية المذهب، ويمكن فهمها من خلال علاقة ثلاثية الجوانب هي: الفئوية بكافة تمظهراتها (الطائفية والقبائلية والحزبية)، والتنموية وإشكالاتها الاقتصادية، والتدخلات السياسية الخارجية. وإننا إذا نظرنا إلى واقع الأصوليات الإسلاموية في مناطق التوتر كالعراق ولبنان واليمن والأفغان فإنه ـ برأيي إن لم يكن قاصراً ـ لا تخرج عن ثلاثية الرؤية التي طرحناها هنا.
وإذا ماعدنا إلى الأنموذج الحوثي في فهمنا لانتشار الأصوليات الإسلامية فإن الإشكاليات الفئوية كالقبائلية والمذهبية تكاد تكون مؤثرة وبقوة في نشوء حركة أصولية، فالصراع القبائلي/المذهبي في اليمن يوازيه صراع مذهبي في العراق والأفغان، وصراع حزبي/مذهبي في لبنان، ذلك أن العمل الفئوي يقوم على الضد من مفهوم المواطنة في البلد الواحد؛ إذ تقدم مصلحة الفئة والطائفة والقبيلة على المصلحة المشتركة بين الأطياف المختلفة، وتتوتر الأوضاع أكثر حينما تجنح الدول إلى التمييز الفئوي بين مواطنيها، أو هيمنة فئة على الفئات الأخرى بحيث تلغي الصوت الآخر المخالف لمرجعيتها الثقافية سواء كانت دينية أو فكرية أو اجتماعية.
إلى جانب ذلك، فإن الإشكاليات الاقتصادية وعدم تكافؤ العملية التنموية يعزز من إشكالية التمييز الفئوي، ومن هنا نرى كيف أن حركة صغيرة كالحوثية تحظى بقابلية لدى بعض القبائل اليمنية التي لم يكن لها نصيب من عمليات التنمية في اليمن، وهذا ما تحاول القيادة الحوثية استغلاله في مطالباتها السياسية، كما أن الاقتصاد اليمني مهتز جداً مما يجعل الشعب اليمني في أزمة اقتصادية طال أمدها أكثر مما يجب، إذا ما قورنت بدول الجوار الخليجي؛ لذلك تصبح مشروعية الدولة مهتزة هي الأخرى لصالح مشاريع أخرى طوباوية الطرح، كما كانت طوباوية الحركات القومية سابقاً بحثاً عن الخلاص السياسي، خاصة أن الحركات الطوباوية هذه المرة تحاول الاستثمار في الرأسمال الرمزي لدى الفئات المطحونة بعدما فشلت مشاريع الرأسمال القومي.
طبعاً هذه الأوضاع لن يكون لها تأثير في بروز الحركات الأصولية ما لم يكن هناك استناد على ضلع قوية من أضلاع المثلث السياسي المتمثل في الدعم اللوجستي من قبل دول أخرى لها المصلحة في خلق بؤر التوتر في مناطق الضعف لمصالح أخرى بعيدة المدى تكمن في توسيع دائرة الهيمنة السياسية والفكرية، وتتعزز هذه التدخلات حينما تكون الأصولية المراد لها التوسع تشترك في المرجعية الدينية لدى الدولة الداعمة، كما هو في دعم إيران لحزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن، والتي تحاول بعض وسائل الإعلام المختلفة الكشف عنه بين فترات متفرقة.
لكن يبقى تعزيز قيم المواطنة ودفع عجلة التنمية والمشاركة السياسية للمواطنين هو مايمكن في ـ رأيي ـ الحد من توسع الأصوليات المختلفة، وإلا سوف نشهد العديد من الأصوليات التي ترى الفرصة قد سنحت لها في الخروج على الدول ذات التوتر السياسي.

جريدة الوطن 13/11/2009م

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس