ويوم بدر [ في رمضان 2 هـ ]،
جاءت كل عشيرة تفتدي أسرها من نُيوب المسلمين،
وكان أبو الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ - زوج زينب – بين الأسارى،
وكان الإسلام قد فرق بينه وبين بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -،
وأرادت زينب – الوفية بنت الوفية – أن تنقذ زوجها من الأسر،
علها تَرد له يدًا من أياديه البيضاء، أو يشرح الله صدره للإسلام .
وبينا الناسُ يتوافدون على النبي – صلى الله عليه وسلم – كل ٌيدفع الفداء لقاء قبض أسيره؛
إذ بعثت زينب بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
في فداء أبي العاص بمالٍ وبعثت فيه بقلادة لخديجة،
كانت أَدخلتها بها على أبي العاص .
وجيء بالمال والقلادة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ،
لإطلاق أبي العاص،
فلما وقعت عينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على قلادة خديجة،
رَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ – يستسمح أصحابه - :
" إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا ، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا "
فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . ففعلوا
[ ابن هشام 1/652 ( بتصرف ) ]
لقد أثارت قلادة خديجة في نفس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذكريات،
فكأنما هب إليه من إطار هذه القلادة أريجًا تنفسته خديجة،
فحرك القلب الرحيم، بعدما كاد أن يقر بعد رحيل الحبيبة الكريمة،
تلك المرأة التي حار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في فضلها .
رق لها . ولما لا ؟
فهي قلادة لامست يومًا نَفسَ خديجة التي أعطته كل شيء نفسها وجهدها ومالها وبيتها،
وتركت له كل شيىء، ولم تمتن عليه بشيء .
ورق لها، رقة شديدة، فأوشك أن يرسل عَبرة حارة من عينيه الكريمتين،
بيد أن العَبرة لم تسيل على الخد إنما سالت إلى القلب،
فأحس الناظرون بحرارتها في رقته الشديدة هذه .
وأشفقوا عليه . وشرع يستنزل فيهم الكرم،
ويستسمح أصحابه – وهو الكريم الأكرم – أن يطلقوا لزينب أسيرها . .
ثم إنه في أدب جم وخلق سَجْح،
يُخيرهم في ذلك ويكل إليهم القرار، ولو شاء أمرهم، فقال :
" إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا ، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا " .