عرض مشاركة واحدة
قديم 10-19-2008, 10:32 PM   رقم المشاركة : 47

 





سورة الحجــرات

قيل : إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط . وسبب ذلك ما رواه سعيد عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة مصدقا إلى بني المصطلق , فلما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم - في رواية : لإحنة كانت بينه وبينهم - , فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنهم قد ارتدوا عن الإسلام . فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت ولا يعجل , فانطلق خالد حتى أتاهم ليلا , فبعث عيونه فلما جاءوا أخبروا خالدا أنهم متمسكون بالإسلام , وسمعوا أذانهم وصلاتهم , فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه , فعاد إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره , فنزلت هذه الآية , فكان يقول نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( التأني من الله والعجلة من الشيطان ) .

وفي رواية : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني المصطلق بعد إسلامهم , فلما سمعوا به ركبوا إليه , فلما سمع بهم خافهم , فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن القوم قد هموا بقتله , ومنعوا صدقاتهم . فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوهم , فبينما هم كذلك إذ قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله , سمعنا برسولك فخرجنا إليه لنكرمه , ونؤدي إليه ما قبلنا من الصدقة , فاستمر راجعا , وبلغنا أنه يزعم لرسول الله أنا خرجنا لنقاتله , والله ما خرجنا لذلك , فأنزل الله تعالى هذه الآية .

وسمي الوليد فاسقا أي كاذبا . قال ابن زيد ومقاتل وسهل بن عبد الله : الفاسق الكذاب . وقال أبو الحسن الوراق : هو المعلن بالذنب . وقال ابن طاهر : الذي لا يستحي من الله . وقرأ حمزة والكسائي " فتثبتوا " من التثبت . الباقون " فتبينوا " من التبيين

في هذه الآية دليل على قبول خبر الواحد إذا كان عدلا ; لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق . ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا ; لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها . وقد استثنى الإجماع من جملة ذلك ما يتعلق بالدعوى والجحود , وإثبات حق مقصود على الغير , مثل أن يقول : هذا عبدي , فإنه يقبل قوله . وإذا قال : قد أنفذ فلان هذا لك هدية , فإنه يقبل ذلك . وكذلك يقبل في مثله خبر الكافر . وكذلك إذا أقر لغيره بحق على نفسه فلا يبطل إجماعا . وأما في الإنشاء على غيره فقال الشافعي وغيره : لا يكون وليا في النكاح . وقال أبو حنيفة ومالك : يكون وليا لأنه يلي مالها فيلي بضعها . كالعدل , وهو وإن كان فاسقا في دينه إلا أن غيرته موفرة وبها يحمي الحريم , وقد يبذل المال ويصون الحرمة , وإذا ولي المال فالنكاح أولى .

قال ابن العربي : ومن العجب أن يجوز الشافعي ونظراؤه إمامة الفاسق . ومن لا يؤتمن على حبة مال كيف يصح أن يؤتمن على قنطار دين . وهذا إنما كان أصله أن الولاة الذين كانوا يصلون بالناس لما فسدت أديانهم ولم يمكن ترك الصلاة وراءهم , ولا استطيعت إزالتهم صلي معهم ووراءهم , كما قال عثمان : الصلاة أحسن ما يفعل الناس , فإذا أحسنوا فأحسن , وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم . ثم كان من الناس من إذا صلى معهم تقية أعادوا الصلاة لله , ومنهم من كان يجعلها صلاته . وبوجوب الإعادة أقول , فلا ينبغي لأحد أن يترك الصلاة مع من لا يرضى من الأئمة , ولكن يعيد سرا في نفسه , ولا يؤثر ذلك عند غيره .

وأما أحكامه إن كان واليا فينفذ منها ما وافق الحق ويرد ما خالفه , ولا ينقض حكمه الذي أمضاه بحال , ولا تلتفتوا إلى غير هذا القول من رواية تؤثر أو قول يحكى , فإن الكلام كثير والحق ظاهر .

لا خلاف في أنه يصح أن يكون رسولا عن غيره في قول يبلغه أو شيء يوصله , أو إذن يعلمه , إذا لم يخرج عن حق المرسل , والمبلغ , فإن تعلق به حق لغيرهما لم يقبل قوله . وهذا جائز للضرورة الداعية إليه , فإنه لو لم يتصرف بين الخلق في هذه المعاني إلا العدول لم يحصل منها شيء لعدمهم في ذلك . والله أعلم .

وفي الآية دليل على فساد من قال : إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة ; لأن الله تعالى أمر بالتثبت قبل القبول , ولا معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم , فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة .

فإن قضى بما يغلب على الظن لم يكن ذلك عملا بجهالة , كالقضاء بالشاهدين العدليين , وقبول قول العالم المجتهد . وإنما العمل بالجهالة قبول قول من لا يحصل غلبة الظن بقبوله . ذكر هذه المسألة القشيري , والذي قبلها المهدوي .

فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا

أي لئلا تصيبوا , فـ " أن " في محل نصب بإسقاط الخافض .

قَوْمًا

أي بخطإ .

بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ

على العجلة وترك التأني


ولله أعلم

تفسير القرطبي

دمتم في حفظ الله

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس