الثالثة
قوله (فليقل خيرا أو ليصمت)
فيه إرشاد للعبد بأن يسلك أحد أمرين في الكلام
فإن كان الكلام خيرا تكلم به وإن لم يكن خيرا أمسك عنه إلا ما دعت الحاجة إليه.
والحاصل أن الكلام ثلاثة أقسام:
1. كلام خير فيستحب للعبد التكلم به
بل كلامه به أفضل من سكوته عنه كتلاوة القرآن والذكر والعلم
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله
وغير ذلك مما أمر به الشرع ورغب فيه.
2. كلام شر فيشرع للعبد الإمساك عنه وسكوته عنه واجب
كالغيبة والنميمة والكذب والإستهزاء وغير ذلك مما نهى عنه الشرع وحذر منه.
3. كلام مباح لا خير ولا شر
فيشرع للعبد الإمساك عنه وعدم الكلام به وسكوته عنه أفضل من كلامه
إلا ما دعت الحاجة إليه في معاشه ومصلحته ومصلحة من يعول.
وقد نهى السلف من فضول الكلام لأن فيه مضيعة للوقت بلا فائدة
وذريعة إلى الوقوع في الحرام
ويوجب قسوة القلب والغفلة عن ذكر الله. قال ابن مسعود:
(إياكم وفضول الكلام حسب امرئ ما بلغ حاجته).
وقال النخعي:
(يهلك الناس في فضول المال والكلام).
وقال عمر:
(من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه
ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به).
والكلام بالخير أفضل من السكوت.
قال أحد العلماء عند عمر بن عبد العزيز:
الصامت على علم كالمتكلم على علم
فقال عمر:
(إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم أفضلهما يوم القيامة حالا
وذلك أن منفعته للناس وهذا صمته لنفسه).
فقال له
يا أمير المؤمنين فكيف بفتنة المنطق
فبكى عمر عند ذلك بكاء شديدا.
...........