عرض مشاركة واحدة
قديم 09-07-2008, 10:28 PM   رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 20
إبن القرية is on a distinguished road


 


الجواب الثامن

فماذا فعلوا مع يوسف؟


ورد في تفسير القرطبي ..

إن يعقوب عليه السلام لما أرسله معهم أخذ عليهم ميثاقا غليظا ليحفظنه , وسلمه إلى روبيل وقال : يا روبيل إنه صغير , وتعلم يا بني شفقتي عليه ; فإن جاع فأطعمه , وإن عطش فاسقه , وإن أعيا فاحمله ثم عجل برده إلي . قال : فأخذوا يحملونه على أكتافهم , لا يضعه واحد إلا رفعه آخر , ويعقوب يشيعهم ميلا ثم رجع ; فلما انقطع بصر أبيهم عنهم رماه الذي كان يحمله إلى الأرض حتى كاد ينكسر , فالتجأ إلى آخر فوجد عند كل واحد منهم أشد مما عند الآخر من الغيظ والعسف ; فاستغاث بروبيل وقال : ( أنت أكبر إخوتي , والخليفة من بعد والدي علي , وأقرب الإخوة إلي , فارحمني وارحم ضعفي ) فلطمه لطمة شديدة وقال : لا قرابة بيني وبينك , فادع الأحد عشر كوكبا فلتنجك منا ; فعلم أن حقدهم من أجل رؤياه , فتعلق بأخيه يهوذا وقال : يا أخي ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني , وارحم قلب أبيك يعقوب ; فما أسرع ما تناسيتم وصيته ونقضتم عهده ; فرق قلب يهوذا فقال : والله لا يصلون إليك أبدا ما دمت حيا , ثم قال : يا إخوتاه إن قتل النفس التي حرم الله من أعظم الخطايا , فردوا هذا الصبي إلى أبيه , ونعاهده ألا يحدث والده بشيء مما جرى أبدا ; فقال له إخوته : والله ما تريد إلا أن تكون لك المكانة عند يعقوب , والله لئن لم تدعه لنقتلنك معه , قال : فإن أبيتم إلا ذلك فهاهنا هذا الجب الموحش القفر , الذي هو مأوى الحيات والهوام فألقوه فيه , فإن أصيب بشيء من ذلك فهو المراد , وقد استرحتم من دمه , وإن انفلت على أيدي سيارة يذهبون به إلى أرض فهو المراد ; فأجمع رأيهم على ذلك ; فهو قول الله تعالى : " فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب " وجواب " لما " محذوف ; أي فلما ذهبوا به وأجمعوا على طرحه في الجب عظمت فتنتهم . وقيل : جواب " لما " قولهم : " قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق " [ يوسف : 17 ] . وقيل : التقدير فلما ذهبوا به من عند أبيهم وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب جعلوه فيها , هذا على مذهب البصريين ; وأما على قول الكوفيين فالجواب . " أوحينا " والواو مقحمة , والواو عندهم تزاد مع لما وحتى ; قال الله تعالى : " حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها " [ الزمر : 73 ] أي فتحت وقوله : " حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور " [ هود : 40 ] أي فار . قال امرؤ القيس : فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى أي انتحى ; ومنه قوله تعالى : " فلما أسلما وتله للجبين وناديناه " [ الصافات : 103 - 104 ] أي ناديناه .

ومما ذكر من قصته إذ ألقي في الجب ما ذكره السدي وغيره أن إخوته لما جعلوا يدلونه في البئر , تعلق بشفير البئر , فربطوا يديه ونزعوا قميصه ; فقال : يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به في هذا الجب , فإن مت كان كفني , وإن عشت أواري به عورتي ; فقالوا : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا فلتؤنسك وتكسك ; فقال : إني لم أر شيئا , فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يسقط فيموت ; فكان في البئر ماء فسقط فيه , ثم آوى إلى صخرة فقام عليها . وقيل : إن شمعون هو الذي قطع الحبل إرادة أن يتفتت على الصخرة , وكان جبريل تحت ساق العرش , فأوحى الله إليه أن أدرك عبدي ; قال جبريل : فأسرعت وهبطت حتى عارضته بين الرمي والوقوع فأقعدته على الصخرة سالما . وكان ذلك الجب مأوى الهوام ; فقام على الصخرة وجعل يبكي , فنادوه , فظن أنها رحمة عليه أدركتهم , فأجابهم ; فأرادوا أن يرضخوه بالصخرة فمنعهم يهوذا , وكان يهوذا يأتيه بالطعام ; فلما وقع عريانا نزل جبريل إليه ; وكان إبراهيم حين ألقي في النار عريانا أتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه , فكان ذلك عند إبراهيم , ثم ورثه إسحاق , ثم ورثه يعقوب , فلما شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذة وجعله في عنقه , فكان لا يفارقه ; فلما ألقي في الجب عريانا أخرج جبريل ذلك القميص فألبسه إياه . قال وهب : فلما قام على الصخرة قال : يا إخوتاه إن لكل ميت وصية , فاسمعوا وصيتي , قالوا : وما هي ؟ قال : إذا اجتمعتم كلكم فأنس بعضكم بعضا فاذكروا وحشتي , وإذا أكلتم فاذكروا جوعي , وإذا شربتم فاذكروا عطشي , وإذا رأيتم غريبا فاذكروا غربتي , وإذا رأيتم شابا فاذكروا شبابي ; فقال له جبريل : يا يوسف كف عن هذا واشتغل بالدعاء , فإن الدعاء عند الله بمكان ; ثم علمه فقال : قل اللهم يا مؤنس كل غريب , ويا صاحب كل وحيد , ويا ملجأ كل خائف , ويا كاشف كل كربة , ويا عالم كل نجوى , ويا منتهى كل شكوى , ويا حاضر كل ملإ , يا حي يا قيوم أسألك أن تقذف رجاءك في قلبي , حتى لا يكون لي هم ولا شغل غيرك , وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا , إنك على كل شيء قدير ; فقالت الملائكة : إلهنا نسمع صوتا ودعاء , الصوت صوت صبي , والدعاء دعاء نبي . وقال الضحاك : نزل جبريل عليه السلام على يوسف وهو في الجب فقال له : ألا أعلمك كلمات إذا أنت قلتهن عجل الله لك خروجك من هذا الجب ؟ فقال : نعم فقال له : قل يا صانع كل مصنوع , ويا جابر كل كسير , ويا شاهد كل نجوى , ويا حاضر كل ملإ , ويا مفرج كل كربة , ويا صاحب كل غريب , ويا مؤنس كل وحيد , ايتني بالفرج والرجاء , واقذف رجاءك في قلبي حتى لا أرجو أحدا سواك ; فرددها يوسف في ليلته مرارا ; فأخرجه الله في صبيحة يومه ذلك من الجب .

متى كان الوحي قبل أن يلقوه في غيابة الجب أم بعد ذلك ؟

( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا )

دليل على نبوته في ذلك الوقت . قال الحسن ومجاهد والضحاك وقتادة : أعطاه الله النبوة وهو في الجب على حجر مرتفع عن الماء . وقال الكلبي : ألقي في الجب , وهو ابن ثماني عشرة سنة , فما كان صغيرا ; ومن قال كان صغيرا فلا يبعد في العقل أن يتنبأ الصغير ويوحى إليه . وقيل : كان وحي إلهام كقوله : " وأوحى ربك إلى النحل " [ النحل : 68 ] . وقيل : كان مناما , والأول أظهر - والله أعلم - وأن جبريل جاءه بالوحي .

" لتنبئنهم بأمرهم هذا " فيه وجهان : أحدهما : أنه أوحى إليه أنه سيلقاهم ويوبخهم على ما صنعوا ; فعلى هذا يكون الوحي بعد إلقائه في الجب تقوية لقلبه , وتبشيرا له بالسلامة . الثاني : أنه أوحى إليه بالذي يصنعون به ; فعلى هذا يكون الوحي قبل إلقائه في الجب إنذارا له

( وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )

أنك يوسف ; وذلك أن الله تعالى أمره لما أفضى إليه الأمر بمصر ألا يخبر أباه وإخوته بمكانه . وقيل : بوحي الله تعالى بالنبوة ; قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل : " الهاء " ليعقوب ; أوحى الله تعالى إليه ما فعلوه بيوسف , وأنه سيعرفهم بأمره , وهم لا يشعرون بما أوحى الله إليه , والله أعلم .

جزاك الله خير

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس