.
*****
حسان بن ثابت رضي الله عنه يرثي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته عليه الصلاة والسلام
بطيبة َ رسـمٌ للرسـولِ ومعهـدُ = منيرٌ وقد تعفو الرسـومُ وتهمـدُ
ولا تنمحي الآياتُ من دارِ حرمـة = بها مِنْبَرُ الهادي الذي كانَ يَصْعَـدُ
ووَاضِـحُ آيـاتٍ وَبَاقـي مَعَالِـمٍ = وربعٌ لهُ فيـهِ مصلـى ً ومسجـدُ
بها حجراتٌ كانَ ينـزلُ وسطهـا= مِنَ الله نـورٌ يُسْتَضَـاءُ وَيُوقَـدُ
معالمُ لم تطمسْ على العهدِ آيهـا = أتَاهَا البِلَى فالآيُ منهـا تَجَـدَّدُ
عرفتُ بها رسمَ الرسولِ وعهـد = هُوَ قَبْرَاً بِهِ وَارَاهُ في التُّـرْبِ مُلْحِـدُ
ظللتُ بها أبكي الرسولَ فأسعدتْ = عُيون وَمِثْلاها مِنَ الجَفْنِ تُسعـدُ
تذكرُ آلاءَ الرسـولِ ومـا أرى = لهَا مُحصِياً نَفْسي فنَفسـي تبلَّـدُ
مفجعة ٌ قـدْ شفهـا فقـدُ أحمـدٍ = فظلـتْ لآلاء الـرسـولِ تـعـددُ
وَمَا بَلَغَتْ منْ كلّ أمْـرٍ عَشِيـرَهُ = وَلكِنّ نَفسي بَعْضَ ما فيـهِ تحمَـدُ
أطالتْ وقوفاً تذرفُ العينُ جهدهـا = على طللِ القبرِ الذي فيـهِ أحمـدُ
فَبُورِكتَ يا قبرَ الرّسولِ وبورِكتْ = بِلاَدٌ ثَوَى فيهَا الرّشِيـدُ المُسَـدَّدُ
وبوركَ لحدٌ منـكَ ضمـنَ طيبـاً = عليهِ بناءٌ مـن صفيـحٍ منضـدُ
تهيلُ عليهِ التـربَ أيـدٍ وأعيـنٌ = عليهِ وقدْ غـارتْ بذلـكَ أسعـدُ
لقد غَيّبوا حِلْماً وعِلْمـاً وَرَحمـة = عشية َ علوهُ الثـرى لا يوسـدُ
وَرَاحُوا بحُزْنٍ ليس فيهِـمْ نَبيُّهُـمْ = وَقَدْ وَهَنَتْ منهُمْ ظهورٌ وأعضُـدُ
يبكونَ من تبكي السمواتُ يومـهُ = ومن قدْ بكتهُ الأرضُ فالناس أكمدُ
وهلْ عدلتْ يومـاً رزيـة ُ هالـكٍ = رزية َ يـومٍ مـاتَ فيـهِ محمـدُ
تَقَطَّعَ فيهِ منزِلُ الوَحْـيِ عَنهُـمُ = وَقَد كان ذا نورٍ يَغـورُ ويُنْجِـدُ
يَدُلُّ على الرّحمنِ مَنْ يقتَدي بِـهِ = وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الخَزَايَا ويُرْشِـدُ
إمامٌ لهمْ يهديهـمُ الحـقَّ جاهـداً = معلمُ صدقٍ إنْ يطيعوهُ يسعـدوا
عَفُوٌّ عن الزّلاّتِ يَقبلُ عُذْرَهـمْ = وإنْ يحسنوا فاللهُ بالخيرِ أجـودُ
وإنْ نابَ أمرٌ لم يقومـوا بحمـدهِ = فَمِنْ عِنْـدِهِ تَيْسِيـرُ مَـا يَتَشَـدّدُ
فَبَيْنَا هُمُ فـي نِعْمَـة ِ الله بيْنَهُـمْ = دليلٌ به نَهْـجُ الطّريقَـة ِ يُقْصَـدُ
عزيزٌ عليْهِ أنْ يَحِيدُوا عن الهُدَى = حَريصٌ على أن يَستقِيموا ويَهْتَدوا
عطوفٌ عليهمْ لا يثنـي جناحـهُ = إلى كَنَفٍ يَحْنـو عليهـم وَيَمْهِـدُ
فَبَيْنَا هُمُ في ذلكَ النّـورِ إذْ غَـدَا= إلى نُورِهِمْ سَهْمٌ من المَوْتِ مُقصِدُ
فأصبحَ محموداً إلـى اللهِ راجعـاً = يبكيهِ جفـنُ المرسـلاتِ ويحمـدُ
وأمستْ بِلادُ الحَرْم وَحشاً بقاعُهـا = لِغَيْبَة ِ ما كانَتْ منَ الوَحْيِ تعهـدُ
قِفاراً سِوَى مَعْمورَة ِ اللَّحْدِ ضَافَها = فَقِيـدٌ يُبَكّيـهِ بَـلاطٌ وغَـرْقـدُ
وَمَسْجِـدُهُ فالموحِشـاتُ لِفَقْـدِهِ = خـلاءٌ لـهُ فيـهِ مقـامٌ ومقعـدُ
وبالجمرة ِ الكبرى لهُ ثمّ أوحشـتْ = دِيارٌ وعَرْصَاتٌ وَرَبْعٌ وَموْلِـدُ
فَابَكّي رَسولَ الله يا عَيـنُ عَبْـرَة = ولا أعرفنكِ الدهرَ دمعـكِ يجمـدُ
ومالكِ لا تبكينَ ذا النعمـة ِ التـي = على الناسِ منهـا سابـغٌ يتغمـدُ
فَجُودي عَلَيْهِ بالدّمـوعِ وأعْوِلـي = لفقدِ الذي لا مثلهُ الدهـرِ يوجـدُ
وَمَا فَقَدَ الماضُـونَ مِثْـلَ مُحَمّـدٍ = ولا مثلهُ حتى القيامـة ِ يفقـدُ
أعفَّ وأوفى ذمـة ً بعـدَ ذمـة = ٍوأقْـرَبَ مِنْـهُ نائِـلاً لا يُنَـكَّـدُ
وأبـذلَ منـهُ للطريـفِ وتـالـدٍ = إذا ضَنّ معطاءٌ بمـا كـانَ يُتْلِـدُ
وأكرمَ حياً في البيوتِ إذا انتمـى = وأكـرمَ جـداً أبطحيـاً يـسـودُ
وأمنعَ ذرواتٍ وأثبتَ في العلـى = دعائـمَ عـزٍّ شاهقـاتٍ تشـيـدُ
وأثْبَتَ فَرْعاً في الفُـرُوعِ وَمَنْبِتـاً = وَعُوداً غَداة َ المُزْنِ، فالعُودُ أغيَدُ
رَبَـاهُ وَلِيـداً فَاسْتَتَـمَّ تَمـامَـهُ = على أكْرَمِ الخيـرَاتِ رَبٌّ مُمجَّـدُ
تَنَاهَتْ وَصَاة ُ المُسْلِمِيـنَ بِكَفّـهِ = فلا العلمُ محبوسٌ ولا الرأيُ يفندُ
أقُولُ ولا يُلْفَـى لِقَوْلـي عَائِـبٌ = منَ الناسِ إلا عازبُ العقلِ مبعـدُ
وَلَيْسَ هَوَائي نازِعاً عَـنْ ثَنائِـهِ = لَعَلّي بِهِ في جَنّـة ِ الخُلْـدِ أخْلُـدُ
معَ المصطفى أرجو بذاكَ جـوارهُ = وفي نيلِ ذاك اليومِ أسعى وأجهـدُ
اللهم صلي على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
*****