اشتهر رحمه الله بالخلق الرفيع والبعد عن المهاترات التي لا تليق فكان سمحا دمث الخلق طيب المعشر وقد كانت له مع رفقاء دربه : محزم ، خميس العمري ، قاسم عطيه ، وغيرهم مساجلات مبدعة ورائعة شهد سوق رغدان أجملها.
البدع : خرصان
ياخميس أبي نشأ يرتشد بحياة أبوك
يوم مات أبي ضحكتم وزاد أبوك مات
وبغيت أضحك ولاون ماب الموت نصرا
وسمعت الناس كلا يقل لي مات أبي
الرد : خميس العمري
من يودي جلب شمران فوق حيا تبوك
والذهب الفضة سد الضباب * البوكمات
واية النصر الذي ينذكر واياة نصرا
وان بغيت المال فطلب ونعطيك ماتبي
وبعد رحلته الجميلة رحمه الله مع التميز والإبداع والإصلاح وبعد أن اسر الناس الذين أحبوا شخصيته وإبداعه قرر خرصان رحمه الله ترك الشعر بقناعة راسخة بعدم جدواه . وهذا من توفيق الله له حيث اختار له هذا الطريق الذي يقربه إليه ، واتجه رحمه الله إلى القران الكريم والصلاة والذكر
ما عاد ابغي الطرب والزير كيف المقال
أشفق أطيح وتظلي عظامي هلال
واسمع الصيح والإسعاف من كل جال
وانعقد خاطري من فتنة أربع خصال
القضاء والقدر والقبر ومن السؤال
فيمن أصيح لا ضاعت علوم القبايل
ما عاد اعرف خثيميا ولا عبدلي
وقد كان الشعر خلال هذه الفترة يتربص به بقوة اخبرني العزيز حمدان بن خرصان ذات يوم أنه كان يصطحب والده في السيارة لموعد في المستشفى وعندما اعتلت السيارة الجبل المؤدي إلى الشارع العام سمعت الأذن الحساسة صوت الزير في الوادي المقابل فأصر رحمه الله عل النزول الى العرضة التي كانت في مناسبة لعبد الله بن صالح العارفة وكان فيها الشاعر عبدالله البيضاني وشاعر آخر لا أذكره . واتجه إلى الميكرفون وقال
الله اكبر لو درينا بحفل الجادية
في قران الحادية
كان خذت الخيزرانه وفي الموتر سريت
غير والله ما دريت
ودنا نسمع الصوت الذي شاقنا في المكرفون
والقبايل يضحكون
لو تحزمنا وقمنا وعاد للجن جغيره
والنماره يا عماها ويا جيغيرها
وخرج لإكمال المشوار الذي كان ذاهب إليه
وبعد هذه الحادثة بزمن جاء أهل جدره بعرضه للطويلة في مناسبة لم يتهيأ لها أهل الطويلة فلم يدعهم خرصان ينتظرون حيث رحب بالضيوف واحيا المناسبة رحمه الله رحمة واسعة
مرحبا وأهلا وسهلا بدولة بني سيد
مرحبا يا أسيادنا
أنت سيد العبدلي والخثيمي وأنت أسد
لا بدا نمر واسود
مرحبا وأهلا وسهلا تراحيبا طويلة
مرحبا عا لقلب والعين وعلى روسنا
وكانت المعاناه تشتد والصراع بين الشاعر والزاهد يحتدم ففي زواج الابن حمدان يتم التصريح بحجم المعاناة
لا سمعت الزير راسي درج والقلب رج
كني اقضم حب حاج
وانا يا كم لي سنينا طويلة ما رضينا
ناس يضحك لي بنابه وناسا بوسنه
رحم الله خرصان رحمة واسعة لقد عاش الحياة بكل حذافيرها ولعب المباراة كاملة مع صروف الدهر ، ثم فرغ من الحياة وزهد فيها وظل ينتظر القدر بإيمان راسخ بحتمية الموت والحساب يقول عنه قينان عبد الله الغامدي في مقال مختصر في جريدة الوطن "عرفت وعايشت كثيرا من الراحلين إلى الدار الآخرة رحمهم الله وغفر لهم منهم أبي وعمي وعمتي وخالي, وكثير من أقاربي وأصدقائي وزملائي ومعارفي, وكلهم باغتهم الموت, حتى الذي كان يتوقع بعض المحيطين به رحيله في أقرب وقت بسبب مرض خطير أو شيخوخة أو حادث أليم, لم يكن في نفسه يتوقع مثلما يتوقعون, بل كانت آماله في الحياة كبيرة, وهذه طبيعة البشر. أمَّا هذا الرجل فهو الوحيد ممن عرفت الذي تشعر أنه فرغ من دنياه, وأدار ظهره لها فلم يعد له فيها مطمح ولا مطمع, وتوجه طائعا مختارا بكل حواسه وجوارحه إلى آخرته ينتظر الموت, ويستحثه, وهو في هذا لم يكن بسبب مرض عضال ألم به, ولم تكن شيخوخته أيضا هي السبب فمثله كثيرون , وفي آخر مرة زرته فيها منذ شهرين تقريبا, كان حاضر الذهن, حي الذاكرة, يرحب, ويحيي, ويدعو, ثم لا يزيد, ومع أنني أعرف خفة روحه, وسرعة بديهته, إلا أنني لاحظت أنه يعف عن الحديث في أي شأن من شؤون الحياة والأحياء - لا يردد سوى الدعاء المخضب بالشجن لمن زار, مع لوازم تخصه من كلمات الوداع, وكأنه ينتظر إقلاع رحلته في موعدها الذي لا يعرفه أحد سواه.
لقد بدا لي أن له فلسفته الخاصة في هذا الأمر, التي يمكن تلخيصها في كلمتين تعبران عن قناعة راسخة يلمسها كل من استمع إليه في عامه الأخير هما "أزف الرحيل" أما لماذا أزف الرحيل فلا أجد جوابا سوى أنه الفيلسوف الحكيم الذي يرى أبعد مما نرى بثاقب بصيرته وعمق وعيه ذلكم هو الشاعر الكبير المعروف في منطقة الباحة خرصان بن حمدان الغامدي", الذي أثق أن جميع أبناء المنطقة من الجنسين يعرفونه حق المعرفة, فمن لم يره منهم - فقد سمع عنه, وسمع قصائده التي تفيض إبداعا وفنا. كما أثق أن كل شعراء الجنوب يعرفونه ويتذوقون شعره, وبعضهم يعد نفسه تلميذا في المدرسة الخرصانية التي لم تأخذ حقها من التدوين والنقد بالصورة التي تليق بقامتها السامقة في هذا الفن. لم يكن "خرصان" شاعرا عاديا, كما لم يكن إنسانا عاديا, كان في ميدان الشعر علما مبدعا في الحكمة والوصف والوجد على وجه الخصوص, وكان في مضمار الإنسانية لا يضاهى في الكرم والجود على وجه التحديد, لعب المباراة كاملة مع صروف الدهر, وتقلبات الزمن, وكان بشرا ينتصر أحيانا ويخفق حينا, لكن عزة نفسه وأنفته - كعادة كثير من المبدعين - حالت دون بروز حال الانكسار أو الضعف, كان يتسامى فوق جراحه العامة والخاصة - يكره كلمة أو نظرة الشفقة حتى من أقرب المقربين إليه, حساسيته الشديدة ألقت به في أتون التوتر والقلق والغضب السريع, مع قدر غير يسير من السخرية المرة, التي لم يكن يحد منها سوى التزامه الشديد بقيم الدين, وأخلاق القبيلة.
ومنذ نحو عقدين من الزمن هجر ساحة العرضة, واعتزل الشعر وسألته ذات مرة: هل غادرك الشعر يا عم؟ فقال: بل أنا أحاول طرده, أما هو فإنه يحاصرني من كل الجهات. قلت: ولم تطرده؟ قال: لا جدوى منه. وكان صادقا ففي داخل "خرصان" كان مبدعا شفافا وعظيما, لكن مجتمع "العرضة" لم يكن يحتفي سوى بطرب اللحظة التي كان يؤمل أن تكون مقدمة لاستكناه عمق التجربة, وروعة الكلمة وسمو الشعر، لكنه فيما بدا لم يلمس ذاك, فوصل إلى نقطة اللا جدوى. اعتزل "خرصان" الشعر ولم يعتزله, وراح يملأ وقته بتلاوة القرآن الكريم, وقليل من نشاط أهل القرى, وكثير من التأمل. حتى لقي وجه ربه صائما عصر الجمعة الماضي. مات "خرصان" لكنه باق كإحدى قمم السراة الشعرية التي يصدق عليها وصف أستاذنا عزيز ضياء للشاعر الكبير حمزة شحاته بأنه "قمة عرفت ولم تكتشف".( الوطن الاثنين 7 رمضان 1426هـ الموافق 10 أكتوبر 2005م العدد (1837) السنة السادسة)
رحم الله خرصان رحمة واسعة فقد ترك رحيله ثغرة كبيرة لم تعوض الى الأن . ومهما تحدثنا عنه فلن نبلغ الهدف الذي نتمناه ونرجوه لتخليد ذكراه وتوثيق إنتاجه ولأن خرصان مختلف فإن قراء ة إنتاجه ستختلف لكي نستفيد من مدرسة خرصان ولكي نفهم حكم خرصان فستكون قراءة قصائده ورسائله متأنية نقف فيها على جوانب الإبداع وزخم التجربة وقوة التأثير .والله ولي التوفيق والية الأمر من قبل ومن بعد.