قال ابن القيم : 
فلو كانت النفس شَريفة كبيرة لم تَرْضَ بالدُّون ، 
فأصْلُ الخير كلّه بتوفيق الله ومشيئته ، وشَرَف الـنَّفْس ونُبْلها وكبرها .
 وأصْل الشّر خستها ودناءتها وصغرها .
 قال تعالى : 


 أي : أفْلَح مَن كَبّرها وكَثّرها ونَمّاها بِطَاعَةِ الله ،
 وخَابَ مَن صَغّرها وحَقّرها بِمَعَاصِي الله ، 
فالـنُّفُوس الشريفة لا تَرْضَى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحْمَدها عاقبة ،
 والـنُّفُوس الدنيئة تَحُوم حَول الدَّنَاءات وتَقَع عليها ، كما يَقَع الذُّبَاب على الأقْذَار ،
 فالـنَّفْس الشَّرِيفة الْعَلِيّة لا تَرْضَى بالظُّلْم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة ،
 لأنها أكبر من ذلك وأجَلّ ، والنّفْس الْمَهِينة الْحَقِيرة والْخَسِيسة بالضِّدّ مِن ذلك ؛
 فَكُلّ نَفْسٍ تَمِيل إلى ما يُناسبها ويُشاكلها . اهـ . 
وقال في ذِكْر عقوبات الذّنُوب :
ومِن عُقُوبَاتها : أنها تُصَغّر الـنَّفْس وتَقْمَعَها وتُدَسّيها وتُحَقّرها حتى تصير أصْغَر كل شيء وأحْقَره ،
 كما أن الطاعة تُنَمِّها وتُزَكّيها وتُكَبّرها .
 قال تعالى : 


والمعنى : قد أفْلَح مَن كَبّرها وأعلاها بِطاعة الله وأظْهَرها ، 
وقَد خَسِرَ مَن أخْفَاها وحَقّرها وصَغّرَها بِمَعْصِية الله ...
 فالطاعة والْبِرّ تُكَبّر الـنَّفْس وتُعِزّها وتُعْلِيها حتى تصير أشرف شيء وأكْبَره وأزْكَاه وأعْلاه ،
 ومع ذلك فهي أذلّ شيء وأحْقَره وأصْغَره لله تعالى ،
 وبِهَذا الذّل حَصَلَ لها هذا العِزّ والشَّرَف والـنّمُو ؛ 
فما صَغّر النفس مثل مَعْصِية الله ، ومَا كَبّرها وشَرّفها ورَفعها مثل طاعة الله . اهـ . 
وإن مما تَهُون بِه الـنَّفْس أن يَعتَاد الإنسان خُلُقا مِن أخلاق المنافِقين .. 
بل قد يَسْتَسِيغ ما غَصّ به عُـبّاد الأوثان ! 
أو يَسْتَحْسِن ما اسْتَقْبَحه أهل الجاهلية الأولى !
وكَفَى بِذَنْبٍ قُـبْحًا أن يَتَبرّأ مِنه أهل الجاهلية ! فيَخْشَى أحدهم أن يُعيَّرَ بِه !
وحَسْبُك مِن خُلُق رَذَالَة أن يَعِيبَـه من كان يَعبد الأصنام والأوثان !
ذلكم هو " الْكَذِب " الذي عُيِّر بِه " مُسَيلِمة " فاقْتَرَن اسمه بِوصْفِ الْكَذِب !
 فلا يُذكَر إلا ويُعَرّف بـ " الكَذّاب " !
والكَذِب خُلُق من أخلاق المنافِقين ،
 ففي خِصال الـنِّفاق : " إذا حَدّث كَذَب " كما في الصحيحين .