
 
ماتت أمي 
فماتت الدنيا , 
ماتت أمي  .. 
فمات العالم , 
ماتت أمي
  فمات الناس . 
سكت الصوت الذي كان يترنم بتسابيح الملكوت , 
وهاجر الطائر الذي كان يغرد بصوت السماء .
 
فقدت المعاني سيدها , وفارقت السعادة أسبابها . 
ماتت أمي  .. 
فحطت الرحمة أدواتها وارتحلت , انهدم السقف , وتمزق الثوب وتعرى الجسد . 
ماتت أمي 
 وتركت لي الحياة ليلة عزاء طويلة ,
 فلم تعد النجوم على الأرض إلا مصابيح مأتم أقيم بليل ,
 ولم يعد للحياة معنى إلا أن تكون القبر ,
 ولم يعد للقبر معنى إلا أن يكون الحياة, 
لو كنت أملك من عمري شيئا لأعطيت أمي ما يجعلني لا أفارقها ساعة , 
هي ابتسامة الزمن وإلياذة التاريخ , طبيبة نفسي , وروح روحي , 
ماتت أمي 
 التي علمتني الرجولة. 
ماتت .. فأصبحت أحيا ببعض نفس وبعض روح وبعض عقل . 
سبحان ربي الذي جعل من قلب الأم دنيا من خلقه هو , 
وأسكن فيها معان من سره هو . 
يد لا تعرف إلا العطاء , وقلب لا يعرف إلا الحب والصفح والغفران ,
 ووجه لا يعرف إلا الإقبال والابتسام , سهولة كل صعب , ويسر كل عسير . 
ماتت أمي 
فلم يعد بعدها قلب يضخ الحب والعفو بلا حساب ,
 ولا صدر يحتوي فينفث عطر الأمن والأمان بلا مقابل ,
 ولا وجه يُعرف بإشراق من نور الله . 
هي المعنى الذي صنعه الله من رحمة خالصة ومن حب خالص ومن غفران خالص ,
 لا يغيره كدر , ولا يبدله عقوق , إذا ماتت الأم مات المكان. 
ملكت مفاتيح نفسي , فإذا ضحكت .. ضحكت الدنيا بأسرها , 
وإذا بكت .. بكت الأرض والسماء . 
ماتت سر أسراري , وهداية حيرتي , وترجمان كياني , 
العالم كله على صدر أمي , فإذا وضعت فيه رأسي كنت ملكا متوجا , 
أمسك بمفاتيح العالم بأسره ,
 كانت القُبلة التي حطت على جبيني فرسمت في وجهي معالم الحياة , 
وقِبلتي التي أحمل إليها كل ما يحمله قلبي من سعادة وشقاء , 
فماتت القُبلة والقِبلة . 
ماتت أمي 
فلم تعد الحياة حياة, تساوى العسل بالمر , والنور بالظلام , ما عدت أرى شيئاً . 
أي طعم للحياة بلا أمي ؟ 
والله إني أعجب .. كيف يعشق الرجل امرأة غير أمه ؟؟؟
 أين حرارة اليد التي كانت تدفع عني برد الهم وتنفض غبار النكد ؟
 أين الوجه الذي كنت أقرأ فيه تاريخي وأيام عمري ؟ 
لقد أدركت اليوم لماذا وضع الله مفتاح الجنة في يد الأم ,
 وجعلها تحت قدميها , لأن الأم في ذاتها جنة , 
فأي سائل هذا الذي ترضعه وليدها وفيه كل حاجته 
من الطعام والشراب والدواء والأمن والأمان وسحر الوصال والالتقاء في آن ؟ 
لا يكون ذلك إلا سائلا من الجنة . 
وأي عظمة وإعجاز في ذات الأم لتكون جنة بكل معالمها لأولادها ,
 ويكون صدرها أعظم من سكنى القصور, وريحها أطيب من ريح المسك , 
وصوتها أحلى من مزامير الدنيا كلها . 
الأم .. ؟ يا إلهي ,
 أي صغير في الأرض يجد كفايته من الروح إلا في الأم ؟
 وأي رجل – ولو كان ملكا – تهدأ نفسه إلا بين يدي أمه ؟ 
لو قيس كل نعيم الدنيا بفقد الأم ماساوى شيئا, 
ماتت أمي 
حقيقة يدركها عقلي, وتنكرها نفسي وروحي حتى ألقاها , 
راح الكائن الذي كنت أملك فيه حق الرحمة , وما عاد لي حق في أحد . 
انتهت أيامي من الأم,
 هذه الأيام التي كنت أعرف فيها الغد قبل أن يأتي معرفتي بالأمس الذي مضى, 
إذ يأتي ومعي أمي . 
وبدأت أيامي من الزمن , وسيأتي كل غد محجبا مرهوبا , 
إذ يأتي لي وحدي , ويأتي وأنا وحدي . 
لقد كُتبت على وجه كل فاقد لأمه عبارة ( رفقا بي )
 اللهم بلغ أمي مني السلام , واجزها عني خيرا ,
 واجعل عملي الصالح في ميزان حسناتها, 
واهدها بهدية من عندك , اللهم قد سلمت لك الروح ,
 وانقطعت الأسباب إلا سببا موصولا بك ,
 فاللهم أكرم نزلها ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد, 
واجمعنمي بأمي في مستقر رحمتك, في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
أعجبني فنقلته 
لكل من فقد والدته 
تحياتي  
...........