ويشتكي الصناع في دار الدبغ على ما يسمونه بـ«الظلم والحيف» الذي يعانون منه، ويقول أحدهم محمد الناجي (53 سنة): «أزاول مهنة الدباغة منذ ما يزيد عن 38 سنة، ولقد تغير خلالها كل شيء.. عدد المعلمين فاق عدد الصناع، وازدادت أثمان مواد الصباغة. ففي السابق كانت مادة الدبغ تأتي من البرازيل بنحو 10 دراهم (دولار وربع)، بعكس ما عليه الحال الآن، إذ نشتري المادة بنحو 800 درهم (100 دولار) وهذا ليس في صالح الصانع التقليدي أو جودة المنتج».
وفي السياق نفسه يروي عبد الحي الصادق، وهو شاب في العشرين، معاناته قائلا: «أعمل بالدباغة منذ 4 سنوات إلا أن دخلي المالي في اليوم لا يتعدى 70 درهما (نحو 10 دولارات) أو أقل.. وما نعاني منه هو العمل داخل هذه القصريات (حفر تشبه صحونا كبيرة يوضع فيها الجلد) خلال فترة الشتاء والبرد».
وبنبرة غضب، يصرخ المولودي محمد (60 سنة) وهو يعبر عن معاناته ومعاناة زملائه في حرفة الدباغة من غلاء المواد التي تستخدم في صباغة الجلود، قائلا: «ندخل دار الدبغ كما لو كنا ندخل معركة حياة أو موت. فهنا نشعر أننا أشبه ما نكون بعمال المناجم ندخل كأننا موتى ونشعر بالامتنان عندما نخرج أحياء».
على صعيد آخر، يرى محمد بن عبد الجليل، وهو أستاذ جامعي في مادة التاريخ، أن «العقلية التي خططت للمدينة اختارت أن تكون الصناعات التقليدية متجاورة. إذ عندما تخرج الجلود من المسلخ تحول إلى دار الدبغ، حسب التصنيف، ومنها ما يؤخذ إلى (دار دبغ سيدي موسى) مثل جلد البقر المناسب لصنع (النعال)، ومنها يؤخذ لسوق (اللباطة) حيث تجري عملية (التمرين) لجلد الماعز والغنم الذي تصنع منه البلغة المغربية (حذاء تقليدي) وهو النوع الأكثر جودة، ويسمى بـ(الزيوانية) نسبة إلى نوع الصباغة الذي يصبغ به». ويضيف بن عبد الجليل «الحديث عن دار الدبغ يقتضي الحديث عن الصناعة التقليدية ككل في مدينة فاس، كما أن دار الدبغ الكبرى المعروفة بـ(دار دبغ شوارة)، لا تبعد عن المسلخ القديم إلا أمتارا قليلة، وكذلك لا تبعد عن سوق اشتهر بالصناعة التقليدية إلا أمتارا قليلة. ومن هناك نصعد في اتجاه البليدة في اتجاه ضريح مولاي أحمد الصقلي إلى أن نصل إلى دار دبغ شوارة التي تعد من أقدم دور الصناعات الموجودة في فاس، وترجح الروايات التاريخية إلى أن تاريخها قد يعود إلى العصر المريني».