الموضوع: بأقلامهم
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2013, 08:11 AM   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
إحصائية العضو

مزاجي:










عبدالله أبوعالي غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
عبدالله أبوعالي is on a distinguished road


 

بقلم /
محمد نور الحسيني
(بعض مما حواه المقال)

على عجلٍ ألملم ما تَناثر من لحم إخوتي ودم أبنائي وما تَبعثر من قمح أهلي وما سال من خوابي جِيراني؛ أدلف كثَكلى إلى المتحف الحربيّ كي أتفقد أَحشائي: صاروخ سكود يتَعقّبني كَأفعوان، الطيران الحربيّ يتفرّسني كَغَنيمة، الخراب يتشهّاني كأنني عمارة في دوما، أو كَرم عنب في داريّا، يسيل لمرآيَ لعاب مصفّحة، يتلمَّظني مدفع هاونٍ، يتلهّى بكهولتي ويحيلني على التقاعد المبكِّر على كرسيّ متحرّك.
¶¶¶
بيني وبينكِ جسرٌ معلّقٌ من الشّريان الأبهر، بندقيةٌ عوراءُ تقبِض الأرواح َعلى قَدْر ما يقبِض القنّاص، عيونُ الديريات بعد الآن ليست ملاذكَ الآمن، حيّ محطة قامشلي بعد الآن ليس عشّ هواكَ المفضّل، قطار الضواحي متعطّل، أوصال السكة في حمص مقطوعة، حيّ الوعر تَسدّه الحواجز فلا أَصل إلى ذكرياتي، ديك الجِنّ يحثو على رأسه رماد الندم ويغصّ برحيق الورد. لا شارع الدبلان يتذكّرني، لاعبد الباسط الصوفي يطربني بمكاديه، ولا القرنفلي يضمّخ أمسي الآفل بشعل حماسته.
- مدينة َالأميرات متى نكفّ عن دفنِ أميراتكِ الأربع!؟
¶¶¶
كيف أنجو مما يتناهى إليّ من زّخات اللهب؟ قريباً من السرد يُعدَم روائي! قريباً من دمه المسفوك تتقصّف فقرات الجسر؛ كابلاته الفرنساوية عن ظهري تَنفصل/ براغي الحكاية تنحلّ على مهل. متى يحتَدم الفيضان!؟
يرتعش البطين الأيسر من كتاب النهر، تنتفخ ضفته اليمنى بالجثَث والرايات السود. الأسماك تزحف عمياء على الشط/ ضحلَةٌ هي القيعان، ضحلٌ الفرات/ الخابور ضحلٌ/ القويق/ العاصيّ/ الأنهار معلّقة من عراقيبها العجفاء؛
- هذا وطنٌ أم مسلخُ أنهار!؟
جبل عبد العزيز/ جبل الأكراد/ جبل التركمان/ جبل الزاوية/ جبال القلمون. هذه جبالٌ أم ساحاتٌ لتمرين الطيران الحربيّ!؟
- هؤلاء طيارون أَم دراكولات وطنية!؟
- سوريٌّ أنتَ أم سمكةٌ عمياء؟!
على الشَّط خنقتها الفيتوات الروسية وفتوى من آيات الله بجواز النحر على مذهب "الممانعة"!؟

¶¶¶
لا القويق يكفّ عن هداياه المتناثرة على أعتاب نصب أبي فراس ولا المعرّي يبرح أطلال المعرّة. جثثٌ لقصائد يافعة، حكاياتُ غرام معرّاة من نبضها، الجلاد ينحرها في المبنى الجويّ؛ وحدي أتفتّتُمن خاصرة النهر، القنابل العنقودية تشتِّتني، الانشطارية بخلاياي تتلهّى كي أسهو عن الترسانة الكيميائية إلى حينٍ من الحنق الأممي؛ كم يلزمنا من خرسانة وكمّامات!؟ كم من حوّاماتِ إسعافٍ ومشافٍ!؟
¶¶¶
النابالم يزيد التحامنا بالأرض! كم طنّاً من المراهم!؟ كم متراً من القطنِ الطّبي!؟ كم برميلاً من الكحول المعقِّم!؟ وكم من معابر إلى نفقِ النّهاية كي إلى ركامنا نؤوب دون خدوش لَامِعِين كالنعوش!؟

¶¶¶
هذا نهر الأرجوان يصبّ قريباً من قلبي. هذا نهرٌ يتَصيّد فيه الأهل دمىً يافعة كُبِّلت؛ فلا تهرول إلا عجلى للتظاهر في "بستانِ القصر"، رؤوسها مثقوبة بالرايات، وحناجرها مترعة باللعنات!
¶¶¶
الشاشة تنحرني لمّا تنهض الكهرباء من نومها، لمّا ينبجس الدم الساطع من ذبذبات ال hd، يورِق شجرٌ فراتي ونبات الغَرب يورِق ويمرح كندف الثلج والشيح يشيح بوجهه عن رياح السموم الثائرة، ولا يجزع لا على ابن طريف ولا على إبرهيم بنِ الخريط الذي يُرهِب بالسرد القصصي! يحكي للجبيلة سيرةَ الشيخِ رمضان شلاش! ولحيّ الشيخ ياسين مسرد القرابينِ: الأب الروائي يختم روايتَه بابنين لعذوبة النهر، ولحكاياته الألف المستفيضة وصفحاته المتدفقة وزوارقه الأرجوانية منذ سومر وأكاد وآشور والسريان والكرد والأرمن ِوالعرب العاربة والمستعربة.
¶¶¶


لدينا بترول رميلان، لدينا بُداةٌ مهرة يكرّرون النفط؛ كأنه لَغَطٌ متناثر في الهواء الطلق، وكركي لكي، وتل حميس، وتل براك، وتل احمدي، وتل بيدر، وتل موزان. لدينا بانوراما من التلال الموروثة؛ كم سنورِّث أحفادنا من خرائب وتلال ونفطٍ لإشعال الحرائق في هذا الليل المدلهمّ!؟
¶¶¶
تشتدّ في الشدادي حمحمة الخيل، ترتجف فرس أبي تمام مطعونةً في جاسم، يرتجف سيف نبوءته، محطة الحجاز تترقّب قطاراً لن يأتي، سوق الحميدية في الحداد
"برو" لم يعد في الكار/ دود القزّ منتحرٌ، الحرير يتكدّس في الممرات. أين السيّاح الحجّاج وأين السائحات المتلفعات!؟
¶¶¶
الرأس لرصاصةٍ واحدة. الرقبة للفأس المثلومة. الخاصرة للحربة. السيقان للسواطير. "البلوكة" للتهشيم مصحوباً بالشتائم والقهقهات. والعصا للفلقات ولتكسيرِ العظام.
¶¶¶
القَنّاص ينكح السبطانةَ بِعينه ويزني بسبابته. الملقّم معهِّر القذيفة وشاتم البارود: الحكاية طالت بحسب الرماة والرواة والإعلام الحربي والإعلام المضلِّل وشهود الزور والفبركات والتحليل المضجر وإشاعات الـ"فايسبوك" المراهقة.الحبكة أدمتْنا أكثر مما ينبغي. العقدة مفخخة. المتحف لن يسعنا. الكمب يلفظنا. يلزمنا وطنٌ على وجه السرعة. مقاسُه أكبر من قبرٍ جماعي، حتى ولو على ظهر سكود أو متن غراد. وطنٌ أو خيمة للعزاء. لا فرق!

على سبيل الهوامش:
¶ جكرخوين وسيداي تيريز شاعران كرديان كلاسيكيان توفيا في أواخر القرن المنصرم. جكرخوين دفن في القامشلي وتيريز في الحسكة.

¶ سعيد آغا الدقوري: زعيم الثورة الكردية في عامودا ضد الانتداب الفرنسي؛ رفض عرضاً فرنسياً باقتطاع منطقة الجزيرة (محافظة الحسكة) وجعلها دولة للكرد في ثلاثينيات القرن الماضي.


¶ الأميرات الأربع: أميرات سوريات من حمص حكمن روما في القرن الثاني الميلادي: الاختان جوليا دومنا وجوليا ميسا، وبنتا هاتين الاختين سهيمة وماميا.

¶ إبرهيم الخريط : كاتب روائي تمّ إعدامه مع ولديه في مدينة دير الزور.


¶ الكليجة : نوع من الحلويات الشعبية – كعك بلدي – معروف في منطقة الجزيرة السورية ؛تتميز بصناعتها في فترات الأعياد الدينية والمناسبات.

¶ "برو" يقال أنه كان من "ركن الدين "تنسب إليه صناعة قماش البروكار الدمشقي أشهر وأفخر أنواع الأقمشة والمنسوجات في العالم. ويصنع القماش من خيوط الذهب والفضة والحرير الطبيعي.

 

 

   

رد مع اقتباس