عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2012, 04:41 AM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

الحلقة الثانية


قبل أن أتحدث عما صادفنا في طريق عودتنا من الباحة إلى مكة يجب أن أوضح أن زميلي هذا كان قد تزوج قبل رحلتنا تلك من ثلاث نساء أنجب منهن سبع بنات ولم يرزق منهن بولد وقد طلّق اثنتين منهن ولم يبق في ذمته سوى الثالثة وكانت أيامها حاملا في شهرها الأخير وعلى وشك الولادة وقد قادنا الحديث ونحن في بداية المشوار إلى ظروف زوجته الصحية وماذا لو جاءها المخاض وهو بعيد عنها ؟ ومن سيتولى نقلها إلى المستشفى .....وما إلى ذلك....؟
ثم سألته : هل عرفتم جنس الجنين ؟!
قال : لا،
قلت : وأين تراجع بزوجتك ؟
قال : في المستوصف الحكومي حق الحارة .
قلت : متى آخر مرة راجعتهم بها ؟
قال : والله ما اذكر.
قلت : الم تراجع مستشفى الولادة ؟
قال : إلاّ، في أول شهرين من الحمل عشان كان عند المدام مشكلة بسيطة والحمد لله انتهت، المهم فهمت من خلال حديثه أنه لم يكشف عن جنس جنين قط ربما لاعتبارات دينية أو مادية أو .... أو .... لا أدري .

في طريق العودة كنت أتولى قيادة السيارة وكانت من نوع كابرس المشهورة عند العامة بـ ( الصابونة ) موديل ذلك العام ، ولما وصلنا مفرق بيشة في حوالي الساعة التاسعة مساء لاحظنا رجلا على يمين الخط متوقفاً بسيارته ومترجلا عنها وهي من نوع كابرس موديل قديم 78على ما اعتقد ويؤشر للسيارات المارة طالبا منها الوقوف،( الخط كان حينها مفردا وهو يقف على رأس كوبري صغير أو عبّارة على ما أظن )

تعديته ولم اُعرْه أي اهتمام في البداية فالوقت ليل، ولا تدري ماذا في جعبة الرجل ! وأنا مستعجل ـ الموسم موسم حج وكنت حينها اعمل رئيسا لشعبة التحقيق ومن المؤكد أن هناك الكثير من القضايا تنتظرني ، هذا فضلا عن أن فترة استئذاني محدودة لا استطيع تجاوزها، لكن بعد أن تجاوزته أخبرني صاحبي بأنه لاحظ بداخل السيارة امرأةً تحمل بين يديها طفلا رضيعا وأشار عليّ بالعودة لمساعدة الرجل، ( كانت وسيلة الاتصال اللاسلكي الوحيدة المتاحة في ذلك الوقت هي ـ البيجر ـ ولم تكن تُغطّي كافة المناطق ) كنت مسرعا ولذا لم استطع كبح جماح السيارة إلا بعد أن تعديته بنصف كيلو متر تقريبا ثم عدت إليه وهو يراقب الموقف بكل تفاصيله، أوقفت سيارتي في الخط المعاكس المتجه إلى الباحة على بعد ثلاثين مترا منه وترجلت منها وبقيت ملاصقا لها حتى لا يظن بي سوءاً ثم رفعت صوتي قائلا : أنا فلان بن فلان ، رتبتي كذا ( مقدم وقتها )، وأعمل في الجهة الفلانيّة فهل تريد مساعدة ؟

اقترب الرجل مني بعد أن سمع ما سمع وإذا به يرتعد بشكل لم أر له مثيلا من قبل، مرّ علي خائفون كثر في حياتي سواء في تحقيق أو في غيره لكن مثل ذلك الخوف لم أشهده ولا شهدت قريبا منه حتى يومنا هذا ، الرجل من شدة رعبه لم يكن قادراّ حتى على الكلام !
قلت : له ما بك ؟ خيرا إن شاء الله !
قال ( بعد أن استرد أنفاسه قليلا وأصبح في مقدوره النطق بكلام افهمه ) : بنشر عليّ الكفر والاستبنة كمان مبنشرة .
هدّأت من روعه وقلت : لا تخف، عليك وعلى أهلك أمان الله، لن نتركك بإذن الله حتى نحل مشكلتك ،
هدأ الرجل قليلا وقال : على بعد خمسة كيلو من هنا بنشر خذوا الكفر وصلّحوه .
قلت له : ايش رأيك نركب لك استبنة سيارتي وتمشي ورانا إلى أن نصل البنشر
قال : أظنّه ما يركب، الجَنْط مختلف
قلت : نجرّب .
فكيّنا الكفر وحاولنا تركيب كفر سيارتي مكانه فاتضح لنا عدم إمكانية ذلك ولذا لم يعد أمامنا سوى أخذ إحدى كفراته المعطوبة إلى أقرب بنشر، وبعد أن وضعنا عجلة سيارته في شنطة سيارتي سألته قبل أن أتحرّك :
هل عندك سلاح ؟
قال : لا
عندها قمت باستخراج مسدس صغير ( ربع ) من درج سيارتي ثم سلمته إياه مع مخزن له معبأ بالطلقات ( كان المخزن خارج المسدس ) وذهبنا للبحث عن أقرب بنشر فوجدناه على بعد خمسة عشر كيلومتر من الموقع وليس خمسة كيلومترات كما ذكر لنا آنفاً ،

وجدنا المحلّ مقفلا لدخول وقت صلاة العشاء وهو يقع إلى جوار مسجد صغير شبه مهجور على رأس تبة صغيرة في بداية الجبوب، توضأت وزميلي من قارورة ماء صحّة كانت بداخل السيارة ودخلنا لأداء الصلاة ، المسجد شبه مهجور كما قلت ولذا لم نجد فيه أحداً ولم يدخله بعد أن دخلنا إليه أحد ،

بعد أن أدينا الصلاة وقبل أن نقوم من مقامنا قلت لرفيقي اسمع يا أخي سأدعو الله فأمّن على دعائي ثم رفعت يديّ وتوجهت بنية المضطرّ الصادق إلى من يسمع مناجاتنا ولا يخفى عليه مكاننا وقلت ( اللهم إني لا اذكر لي عملا صالحاّ اتوسل به إليك أفضل مما أسديته لهذا الرجل وزوجته وطفله هذه الليلة فا للهم إن كنت تعلم أن دافعي ورفيقي لما قمنا به هو ابتغاء ما عندك فا للهم اكتب لأخي أحمد الشيخي في حمل زوجته الحالي طفلا ذكرا وهب لي من لدنك ذرية طيبة صالحة ) و والله ما زدت على هذا أو نحوه شيئا، غادرنا بعدها المسجد وقمنا بإصلاح الكفر المعطوب ولمّا اقتربنا من صاحبنا واذا بجيب دورية يقف خلف سيارته بداخله رجل بلباس مدني واضعا لثمة على وجهه لم اتبين معها ملامحه بينما صاحبنا يتكلم مع عسكري مهرقل بجوار الكابرس و ( مهرقل ) تعني أن هندامه الخارجي ليس مرتباً فبدا لنا ( كاشف الراس، قميص بدلته مسدل من على البنطلون، يلبس في رجليه زنّوبة ، مشمّر عن ذراعيه ، وشعر رأسه أشعث أغبر أكاد اجزم انه لم يمس الماء منذ أشهر ) وبمجرد أن أوقفت سيارتي حدّقت فيه فإذا لون وجهه يتغير ويزداد ظُلمة على ظلمته ثم سمعت صاحبنا يقول له : خلاص، خلاص، أخوياي جو، أخوياي جو ! وقبل أن اوقف محرّك السيارة ركب المذكور سيارته وانطلق بها سالكاً طريق بيشة دون أن يعطيني فرصة للتحدث معه فضلا عن افحص هويته للتأكد من إسمه أو بياناته الشخصية.

سألت صاحبنا : هل قالوا لك شيئا ؟ او طلبوا منك شيئاً ؟
قال : لا
قلت في نفسي والله أن وضعهما مريب وشكلهما أكثر ريبةً ولعل عودتنا جاءت في الوقت المناسب قبل أن ينفذا ما زين لهما الشيطان فعله لكن طالما أن صاحب الشأن لم يتهمهما بشي فليس لنا إلا ما أورده ، أنهينا إصلاح العطل وقلت لأخينا تمشي أمامنا أو نمشي أمامك ؟ قال لا أمشوا أنتم أمامي حتى نصل إلى البنشر ثم واصلوا سفركم والله معكم ، ( يظهر أنه لا يزال خائفا ولذا طلب منا السير أمامه وليس خلفه خوفا من المسدس ) أعطاني مسدسي والسعفة ( المخزن ) كما سلمتهما له من قبل ومشينا أمامه حتى شارفنا على محل البنشر فأشار لنا بيده متشكرا وطالبا منا مواصلة السير فلم نقف إلا داخل حوش الإدارة بمكة .

دخلت مكتبي منهكا في حوالي الحادية عشرة مساء وجلست على الكرسي خلف الماصة ثم فتحت الدُّرج ووضعت به مسدسي مع سعفته واستدرت باتجاه النافذة ورفعت رجليّ على السكرتارية الواقعة على يساري لأخذ قسط من الرّاحة، فجأة دخل علي أحد الضباط برتبة ملازم أول يتدفق حيويّة ونشاطا ( كان يمارس المصارعة الرومانية طوال فترة دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية ) وبعد أن أدى التحية العسكرية واقفا أمام الماصة قال : عندي مداهمة في شارع كذا وكنت منتظرا عودتك لأخذ توجيهاتك ،

ناقشته في بعض التفصيلات ثم سألته : من معك من الأفراد ؟
قال : معي فلان و فلان و فلان ،
قلت له : توكل على الله ، وبعد أن استدار، استدعيته وسألته هل معك مسدساً ؟
جاء ووقف مكانه الأول قال : لا
استخرجت مسدسي من الدرج قائلا له خذ هذا ووجهته إلى وجهه واضعا فوهة السبطانة بين عينيه وسبابتي على الزناد ولم يؤخر ضغطي عليه والذي رفع السماء بلا عمد الا الله سبحانه وتعالى والا فإني كنت عاقدا العزم على ذلك ثقة مني بأنه فارغٌ !

انقض الرجل في جزء من الثانية بجرأة لم أعدها منه معي من قبل وذلك على معصمي بكلتا يديه ولفّه في الاتجاه المعاكس وقال : يا أخي لا تمزح بالسلاح ، لا تمزح بالسلاح ! ثم انتزعه من يدي .
قلت له : فاضي يا أخي فاضي ، شوف السعفة برّا في الدرج .
قال : وإن يكن ، وإن يكن ، وفي لمح البصر وضع المسدس على راحة يده اليسرى ثم سحب الأجزاء المتحركة بيمينه وإذا بحجرة إطلاق النار تقذف برصاصة حيّة على ماصتي تتدحرج حتى استقرت على الأرض .
قال : الم أقل لك لاتمزح بالسلاح ؟؟!!!!! أخذ المسدس وألقى التحية ثم أعطاني ظهره وخرج .

تابعته بالنظر وأنا فاغر الفاه إلى أن توارى من الممر الواقع أمام باب المكتب ثم لاحقته من النافذة حتى ركب ومن معه سيارة المهمات وخرجوا من بوابة الإدارة الرسمية ،بعدها شعرت بأن قواي قد خارت وقدماي لم تعد قادرتان على حملي فالقيت بنفسي على أقرب كنبة مني جوار النافذة .

أصابني هول الموقف بوجوم وذعر، برهبة وقشعريرة وتخيلت منظره وهو مضرّّج بدمائه على أرض مكتب رسمي داخل إدارة حكومية ! من ذا الذي سيصدقني لو قتلته أن الأمر كان مزاحاً ! من ذا الذي سيتولى التحقيق معي ؟ ومتى ؟ وأين ؟ وهل سيتم توقيفي داخل الإدارة أم في السجن العام ؟ ماذا أقول لوالديّ وأهل بيتي وجماعتي؟! وماذا سيقوله عني الشامتون والمتربصون ؟ من سيدفع الدية ومن يقدر على صيام شهرين متتابعين ؟! ثم هل سأمكّن بعد ذلك من العودة إلى عملي ؟ أم لا ؟ ماذا لو لم يقتنع القاضي بأنني قتلته خطأً ؟ وماذا ...؟ وماذا ... وماذا ....؟!

أسئلة بعدد نجوم السماء تواردت على ذهني يهزّه كل منها هزاً عنيفا دون شفقة أو رحمة بل إن كلاً منها يسخر من سابقه ! صدمةٌ وأيّ صدمة ؟! حيرة وأيّ حيرة ؟! شرود ذهني لم اعد قادرا على لمّ شتاته وبصريح العبارة أصابتني حالة من التوهان والهذيان لم استفق منها إلا بعودة ذلك الضابط مكللا بالنجاح من مهمته، ماثلا أمامي حيا يرزق ومعيدا إليّ أداة الجريمة المفترضة قبل أن ينبلج صبح تلك الليلة المشؤمة بدقائق ودونما طعام أو شراب أو نوم منذ عصر اليوم السابق .

القاكم بخير إن شاء الله .

 

 
























التوقيع