عرض مشاركة واحدة
قديم 09-12-2012, 05:46 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 13
غامداوي is on a distinguished road

في غرقة العمليات


 

.


في غرفة العمليات

لان التهاب اللوزتين كانت مشكلة صحية كبيرة تتكرر علي دائما, كان سعي امي وابي الدائمين لاستئصالهما. وقد كان لهما النجاح في ذلك بعد جهد جهيد لتنويمي الي المستشفي العسكري بالقاهرة في بداية العقد السابع من القرن الميلادي الماضي. وقد كان لي في ذلك ذكريات بقيت ماثلة في الوجدان كأول مرة لي ادخل فيها غرفة العمليات كمريض.

ولأن عمري كان في ذلك الوقت يتعدى الثانية عشرة بشهور قليلة لم يكن لي الا أن أنّوم في قسم الرجال وقد كان تواجدي بالمستشفي دون مرافق لأن والدي لديه مشروع تدريب عسكري قريب من مدينة الاسماعلية.

وكان علي ان اتوقف عن الشراب والطعام من الساعة الثامنة ليلا انتظارا للعملية التي ستكون في الصباح, ليس ذلك وحسب بل كانت هناك حقنة اتروبين لتجفيف الريق وافرازات الجهاز الهضمي في الليل طبقا لطقوس التخدير القديمة في ذلك الوقت وكان علي ان اتحمل معاناة الصيام وجفاف الريق من الحقنة.

في الساعات الأخيرة من الليل احضرت الممرضة المناوبة سريرا صغيرا وضعته امام باب الغرفة التي انام اليها من الخارج حتي لا اخرج خلسة منها واشرب من الصنبور حيث كانت دورات المياه خارج غرف النوم ونامت الممرضة الي ذلك السرير وطلبت مني الا اخرج للحمام.

لكن العطش يشتد بي وحلقي جاف لذلك لم أجد وسيله غير انني اتسلل من تحت السرير في غفلة من الممرضة الى دورة المياه وأملأ معدتي من الماء عن آخرها ولتذهب ولتسقط كل النصائح والانظمة.
في الصباح اخذتني الممرضة الي الطابق الأسفل لقسم العمليات بعد ان تأخرت علي أمي التي لم تأت في الصباح كما وعدتني قبل ان تتركني في الليل.

مشاعر من الخوف والرهبة تغلّفها احاسيس من الحزن الشديد لأنني لا اجد من يهتم بي أو يقف معي اللحظات الأخيرة لي قبل العملية.
كنت اتقدم الي داخل غرفة العمليات وكأنني أغرق في يم كبير اكاد لا أري فيه ولا أسمع وأنا لا ادري ماذا افعل.

سرير يتوسط الغرفة مغطى بفراش جلدي وبجواره اسطوانتين يشبهان اسطوانة الغاز لكنهما اقل سمكا واطول طولا.
قريب من السرير منضدة صغيرة اليها بعض الاقنعة وقنينات صغيرة من العقاقير والعديد من االمحاقن الزجاجية.
أعلي السرير الي السقف تدلى اسطوانة كبيرة فيها كشافات عديدة كلها تسطع بالنور يصعب التوقف عليها بالعينين.

استلقيت الي سرير العمليات بامر من الممرضة واطرافي ترتجف من شدة الخوف وترتعد الي ان جاء رجل يرتدي لباس اخضر يضع علي فمه كمامة ليسألني اسمي وعمري والمرحلة الدراسية التي ادرس فيها

أخذ الرجل المكمم بيدي الي اطراف السرير ليمسك ساعدي بيد واليد الاخري تمسك بسن لغطاء محقن. سألني هذا المكمم ان ادير وجهي الي الناحية الاخري. تلكأت قليلا من الوقت في الاستجابة اليه ليعيد الي امره بقليل من الحده في صوت عالي لاستجيب اليه علي مضض ودون حيلة وقد كنت شغوف لاري مايفعله بي لاشعر بوخذ ابرة الي ساعدي اسير يد الرجل المكمم.

تحضرني حالة من الخوف الشديد وكأنني اتجرع غرغرة الموت ومشاهد كثيرة تدور في مخيلتي لكن اهمها انني ادخل الي غرفة العمليات دون كلمة من احد ممن احبهم واثق فيهم ابي او امي.

في الناحية الاخري من الغرفة كان هناك صخب وثرثرة لصوت نسائي لا يتوقف عن الحديث.
ولم اصل الي رقم 9 في العد بطلب من ذلك الرجل المكمم لاستشعر برودة شديدة تغرق بدني وتذهب باطرافي ولأذهب في غيبوبة غيبتني عما يدور حولي في غرفة العمليات تماما.

لا ادري كم مضي من الوقت وفد كانت افاقتي الي السرير الذي كنت اتمدد اليه في الأمس بالقسم العلوي واستجمع كل مالدي من طاقات الوعي وانظر حولي ولا أجد بجواري سوى أختي وقد كان السؤال الأول الذي سألته إياها اين أمي وكانت اجابتها ان امي سافرت الي القرية امس لان جدي والد أمي قد مات و كان الخبر اليهم عبر الهاتف بعد عودتها من المستشفي في الليل.
استمع اجابة اختي واحاول ان اتقبلها على مضض وأجد تفسيرا بذلك عن تلك الظنون التي داهمتني في انهم تركوني لمفردي أتلقى مصيري في غرفة العمليات.

وكانت الالام الشديدة في الحلق وكأن هناك سكاكين مغرّزة فيه لتشغلني عن الاسترسال في الحديث مع اختي لاتابع الاهات والتأوهات للتنفيس عن ذلك الالم.

 

 
























التوقيع