الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه.
وبعد:
فإن من محاوِر المُفارَقة بين أصالَة الإسلام وشُموليَّته، وبين الثقافة العالمية المُعاصِرة هو المِحوَر الثالث، من خلال ما أفرَزَته الثقافةُ العالميةُ المُعاصِرة في الجانب الاقتصاديِّ الذي كشَفَ عن نتائِجَ مُدمِّرةٍ للنظامِ المصرَفيِّ لم تكن معروفةً من قبلُ، وما الأزمةُ الاقتصاديةُ العالميةُ عنَّا ببعيدٍ.
ولقد شهِدَ شهودٌ من المُنتمين إلى تلكم الثقافة الغرَّارَة بأن الوضعَ الاقتصاديَّ على المفهومِ العالميِّ المُعاصِر سبَّبَ أضرارًا فادِحةً للاقتِصاد العالميِّ، تكمُنُ في وجودِ مرضٍ مُتجذِّرٍ في الاقتصادِ يُهدِّدُه بالانهِيار؛ إذ أصبحَ عبارةً عن أهراماتٍ من الديون المُتراكِمةِ، فصار كثيرٌ من الأعمال الاقتصادية أشبهَ بمائدةِ قِمارٍ الحقيقيُّ منها في التعامُل لا يتجاوَزُ أرقامًا ضئيلةً بالمائة؛ حيث كثُر الانْحِياز لقُوَّة الائتِمانِ على حسابِ جدوى الإنتاجِ والنموِّ الاستِثماريِّ.
بخِلاف الاقتصاد الإسلاميِّ الذي يُحقِّقُ المبادئَ الثلاثةَ الكُبرَى للاقتصاد الناجِحِ:
أولُها: أن يكون المالُ قِيامًا للناس جميعًا.
وثانيها: ألا يكون دُولةً بين الأغنياءِ منهم دون سِواهم.
وثالثُها: أن يُحقِّقَ العدلَ في التعامُلِ.
ولذا فإن من انحازُوا إلى الثقافة العالمية المُعاصِرة في النظرةِ إلى الاقتِصادِ وجَدوا أنفُسَهم في نهايةِ الطريقِ في حالِ دهشةٍ حينما جرَّبَ العالمُ بأسرِه الاتِّجاهَ الجماعيَّ الاشتراكيَّ سبعين عامًا انتَهَت بانهِياره برُمَّته.
ولم يكن الاتِّجاهُ الفرديُّ الرأسماليُّ هو الآخرُ أكثرَ حظًّا؛ فهو يدورُ حول نفسه في حلقةٍ مُفرَغةٍ تنهَشُه خلالَ دورَانه سِباعُ الأزمات الاقتِصادية المُتكرِّرة؛ لاختِلال كونِه قِيامًا للناس، ولغِيابِ قيمةِ العدلِ عنه، ولكونِه أصبحَ دُولةً بين الأغنياءِ من الناسِ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ[البقرة: 276].
فيا تُرى هل يضيعُ الحقُّ في زَوبَعة هذه العواصِفِ العاتِيَة؟ وهل سيُصنَعُ مُستقبلُ المُسلمين خارِجَ أرضِهم ودِيارِهم وصَياصِيهم؟ وهل سيتكاثَرُ الذين يرضَعون من ثُدِيِّ تلكم الثقافة ويمتهِنون خُلُقَ التسوُّل أمامَها؟ أم أنها غفلةٌ سيعقُبُها صحوةٌ ورُشدٌ وحِرصٌ على التحرُّر من هذا الرِّقِّ على عقولِ المُسلمين وقُلوبِهم؟!
إن الفَألَ مطلبُنا، والعملَ سُلَّمُ الوصول إليه، وهو الثقةُ الكامِلةُ بالإسلام، والوعيُ بإمكاناته دون تردُّدٍ، أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ[يونس: 35].
هذا وصلُّوا - رحمكم الله - على خيرِ البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله بن عبد المُطلب، صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ قد بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسِه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون -، فقال - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب : 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمد، صاحبِ الوجهِ الأنور، والجَبين الأزهَر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك - صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسنةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم انصُر إخواننا المُستضعفين في دينهم في سائر الأوطان، اللهم انصُر إخواننا المُستضعفين في دينهم في سائر الأوطان برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم انصُر إخواننا المُستضعفين في سوريا، اللهم انصُرهم على عدوِّهم، اللهم انصُرهم عاجِلًا غيرَ آجلٍ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعل الدائرةَ على عدوِّهم، واجعل شأنَه في سِفالٍ، وأمرَه في وَبالٍ يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم أصلِح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
سبحان ربِّنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.