الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحقُّ المُبين، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمين، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، أيها الناس:
يُساقُ ما سبقَ، وقنواتُ الفضاءِ تُمطِرُنا بمشاهدِ القتلِ والترويعِ، والتي تجري على شامِنا الحبيبِ "سُوريا"، وقد أمِنَ سفَّاحُها من انتِهاضِ الأُمم - خُصوصًا الغربي والشرقي منه -، ولم تعُدْ نشرُ تلك المشاهد تُزعِجُه؛ بل ربما احتسَبَها دِعايةً لإرهابِ شعبِهِ، لم يعُدْ كلُّ ذلك يُزعِجُه ما دام أن طاغيةَ الشامِ حذَّرَ أن يخلُفَه المُسلِمون في الحُكمِ، واقتنعَت أُممٌ بذلك التحذيرِ، ولم يدْرِ المُغرَّرُ بهم من أُمم الأرضِ أن المُسلمين - والسنةُ منهم خُصوصًا - لن يكونوا خَلَفَه فحسبُ؛ بل كانوا هُم سلَفَ حزبِهِ لقُرونٍ.
وكانت أعزَّ ما كانت الشامُ وأرغَد، وآمنَ وأرقَى حينما كانت تحت حُكم المُسلمين، وما عرفَت الشُّؤمَ إلا بظهُور الطُّغاة.
وإن الأملَ في اللهِ كبيرٌ، وإذا انقطَعَ المَدَدُ من الأرض فُتِحَت أبوابُ السماء، وإن كل نشاطٍ سياسيٍّ أو فكريٍّ يجلُو ذلك الغَبَشَ لمحمودٌ ومشكورٌ، ومنه ما تقومُ به هذه البلادُ؛ فقد ارتفعَ صوتُها في كل محفَلٍ يُعقَدُ للنظر في قضيةِ المظاليمِ من الشُّعوبِ والدول، تُنادِي بالجدِّيَّة في رفعِ الظلمِ، والحزمِ في الأخذِ على يدِ الظالمِ، والفأْلِ حين النظرِ في العواقِبِ، والطمأنَةِ من الخوفِ.
عسى الله أن يُنجِحَ المساعِي الصادِقة، ويُوفِّقَ الجُهودَ المُخلِصة، ويجلُوَ غشاوَةَ الأبصار، ويُديلَ الأيامَ على كل مُتكبِّرٍ جبَّارٍ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ[القصص: 5].
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على النبي المُصطفى والرسول المُجتبى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتهِ الغُرِّ الميامين، اللهم ارضَ عن الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدِين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، ومن سارَ على نهجِهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، وجازِهِ خيرَ الجزاءِ على نُصرته للمظلومين، وثباتِهِ على مواقفِ العدلِ والحقِّ، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وسدِّدهم وأعِنْهم، واجعَله مُبارَكِين مُوفَّقِين لكل خيرٍ وصلاحٍ.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا وفلسطين، اللهم اجمَعهم على الحقِّ والهدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم، واحفَظ أعراضَهم، واربِط على قلوبهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم فُكَّ حِصارَهم، اللهم فرَجَك القريب، اللهم فرَجَك القريب، اللهم فرَجَك القريب.
اللهم إنا نستنزِلُ نصرَك على عبادك المُستضعفين المظلومين، اللهم انتصِر لليتامَى والثَّكَالَى والمظلومين، اللهم رُحماكَ بهم يا أرحم الراحمين، ويا ناصِر المظلومين.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَكَ، اللهم هيِّئ لهم يدًا من الحقِّ حاصِدةً تستأصِلُ شأفَتَهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَك.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك وعبادَك المؤمنين، اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصُرهم في فلسطين على الصهاينة المُحتلِّين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم اغفر ذنوبنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا.
اللهم لك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، اللهم لك الحمدُ على ما أنعمتَ به علينا من نزولِ الأمطار، اللهم كما أنزلتَ علينا المطرَ اللهم فبارِك لنا فيما رزقتَنا وزِدنا يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم عُمَّ بالأمطار بلادَ المُسلمين، اللهم اجعل ما أنزلتَه قُوَّةً لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين، اللهم لك الحمدُ كثيرًا كما تُنعِمُ كثيرًا، اللهم زِدنا وبارِك لنا، اللهم زِدنا وبارِك لنا، اللهم زِدنا وبارِك لنا.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.