عرض مشاركة واحدة
قديم 01-09-2012, 11:50 PM   رقم المشاركة : 69
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية العضو

مزاجي:










ابوحاتم غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

خطر الجهر بالمعاصي والذنوب
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 12/2/1433هـ بعنوان: "خطر الجهر بالمعاصي والذنوب"، والتي تحدَّث فيها عن خطر الجهر بالمعاصي وفضح المُسلمين وعدم سترهم، وبيَّن متى يُذاع فيها أمرُ العاصِي ومتى لا يُذاع، وشدَّد على ضرورة رفع أمره إلى وليِّ الأمر في حال مُجاهرته وتشهيره بالمُسلمين.

الخطبة الأولى
الحمد لله، آوى إلى من إلى لُطفه أوَى، وداوَى بإنعامه من يئِسَ من إسقامه الدوا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حرَّم العدوان والبغيَ والأذى، وأمرَ بالسِّتر والزكاءِ والحيا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله من اتبعَه كان على الخير والهُدى، ومن عصاه كان في الغوايةِ والرَّدَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه معادِن التقوى وينبوع الصَّبَا، صلاةً تبقَى، وسلامًا يَترَى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
بالتقوى تحلُّ الخيرات، وتنزلُ البركات، وتندفعُ الشرور والآفات، وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر: 61].
أيها المسلمون:
يتصوَّن المؤمنُ عن كل فعلٍ تعود عليه فيه سُبَّة، ويعلَقُ به منه عارٌ، وتلحَقُه به دنيَّةٌ ومعاذَة، ورُبَّ سخطةٍ جلَبَت فضيحةً لا تُطفَأُ نارُها، ولا يخمُدُ أُوارُها.
وموتُ الفتى لم يُعطَ يومًا خسيفةً
أعفُّ وأغنى في الأنامِ وأكرمُ
والعبدُ يسمُو ويهفو، والله يمحو ويعفو، والعبدُ يُذنِبُ ويفجُر، والله يغفِرُ ويستُر، والله حليمٌ حيِيٌّ ستِّير.
وهو الحيِّيُّ فليس يفضَحُ عبدَه
عند التجاهُر منه من عصيانِ
لكنه يُلقي عليه سِترَه
فهو الستِّيرُ وصاحبُ الغُفرانِ
وكيف يُتصوَّرُ الأمرُ لو كانت الخلَوات بين الخلقِ بادية، والغدَرات على الناسِ غير خافية؛ فعن قبيصةَ بن عقبة قال: بلغ داودَ الطائيَّ أنه ذُكِر عند بعضِ الأمراء فأثنى عليه، فقال: "إنما نتبلَّغ بستره بين خلقه، ولو يعلمُ الناسُ بعضَ ما نحن فيه ما ذلَّ لنا لسانٌ أن نُذكَر بخيرٍ أبدًا".
فلله الحمدُ على سِتره الجميل وبرِّه الجزيل.
أيها المسلمون:
ومن شعثَه الهوى، وضعُف عن المُجاهدة، ولم يزَع النفسَ عن الجهل فليستتِر بسترِ الله تعالى، ولا يُجاهِر بمعصيته، ولا يُعلِن بفُجوره، ويلزَمُه مع ذلك التوبةُ والإنابةُ والندمُ على ما صنَع، والإقلاع عما فعل.
أخرج مالكٌ مُرسلاً، والحاكمُ، والبيهقيُّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أصابَ شيئًا من هذه القاذورات فليستتِر بسترِ الله تعالى؛ فإنه من يُبدِ لنا صفحتَه نُقِم عليه كتابَ الله تعالى».
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كلُّ أُمتي مُعافًى إلا المُجاهِرين، وإن من المُجاهَرة أن يعملَ الرجلُ بالليل عملاً ثم يُصبِحُ وقد ستَرَه الله، فيقول: يا فلان! عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد باتَ يستُره ربُّه، ويُصبِحُ يكشِفُ سترَ الله عليه»؛ متفق عليه.
فيا عجبًا ممن يُفاخِرُ بفواحِشِه وجرائمِه وقبائحِه، يقُصُّها على أقرانه، ويُزيِّنُها لأصحابه، نعوذُ بالله من الضلالة والجهالة والغواية.
أيها المسلمون:
ومن الناسِ من تهفُو نفسُه إلى معرفةِ الخفايا والأسرار، وتتبُّع الحوادِث والأخبار، فالحذَرَ الحذَرَ! فإن طالبَ الوديعةِ خائن، وخاطبَ السرِّ عدوّ، ومُتتبِّع الأخبار غادِر.
ونبيُّنا وسيدُنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إني لم أُومَر أن أنقُبَ عن قلوبِ الناس ولا أشُقَّ بطونَهم»؛ متفق عليه.
أيها المسلمون:
ودينُكم دينُ السترِ والتزكيةِ والنصيحة، لا دينُ الهتكِ والفضحِ وإشاعةِ الرذيلة، فأظهِروا المحاسِن والممادِح، واستُروا المساوئَ والقبائِح، وأشهِروا الخيرَ والنصائح، وغطُّوا العيوبَ والفضائِح.
ومن علِمَ من مسلمٍ قُصورًا أو فُجورًا فلا يُظهِر للناس زلَّته، ولا يُشهِر بين الخلق هفوتَه، ولا يكشِف سترَه، ولا يقصِد فضيحتَه؛ بل يُخفِي عيوبَه، ويستُر هناتِه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يستُر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا سترَه الله يوم القيامة»؛ أخرجه مسلم.
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ومن سترَ مُسلمًا سترَه الله يوم القيامة»؛ متفق عليه.
قال ابن حجر: "معنى قوله: «سترَ مُسلمًا» أي: رآه على قبيحٍ فلم يُظهِره للناس، وليس في هذا ما يقتضي تركَ الإنكار عليه فيما بينه وبينه".
أيها المسلمون:
ومن تتبَع عورات المُسلمين والمُسلمات، والتمسَ معايِبَهم ومساوِئَهم وأظهرَها وأشهرَها بقصدِ فضحِهم، والإساءَة إليهم، وتشويه سُمعتهم، والحطِّ من قدرهم؛ فقد ارتكَبَ فعلاً مُحرَّمًا، وأمرًا مُجرَّمًا، لا يقدُم عليه إلا خسيسُ الطبع، ووضيعُ القدر، وساقطُ المنزلة.
فعن نافعٍ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: صعِد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبَرَ، فنادى بصوتٍ رفيعٍ فقال: «يا معشرَ من أسلمَ بلسانه ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبه! لا تُؤذُوا المُسلمين، ولا تُعيِّروهم، ولا تتَّبِعوا عوراتِهم؛ فإن من تتبَّع عورةَ أخيه المُسلم تتبَّع الله عورتَه، ومن يتَّبِع الله عورتَه يفضَحه ولو في جوفِ رحلِه»؛ أخرجه الترمذي.
لا تلتمِس من مساوِي الناسِ ما ستَروا
فيكشِفُ اللهُ سترًا من مساوِيكا
واذكُر محاسنَ ما فيهم إذا ذُكِروا
ولا تعِب أحدًا منهم بما فيكَا
ولما دفعَ هزَّان بن يزيد الأسلميُّ - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ماعزًا ليعترِف بالزنا، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «واللهِ يا هزَّان لو كنتَ سترتَه بثوبِك كان خيرًا مما صنعتَ به»؛ أخرجه مالكٌ، وأحمد، وأبو داود، والحاكم.
وكم يسوؤُنا ما وقعَ فيه بعضُ الأبرار، ونحَى نحوه بعضُ الأشرار من إذاعة الأسرار، وإشاعة الخفايا والأخبار، وتتبُّع الزلاَّت والهفَوات، ونشر المعايِب والسَّقَطات، والتعيير والتشهير عبر المجالسِ والمجامِع والمُنتديات والجوّالات والمواقع والصفحات والقنوات ووسائل الاتصالات، حتى صارَت الفضائحُ والقبائحُ تُزفُّ للناسِ زفًّا؛ فهذه فضيحةُ فلان بن فلان، وهذه هفوةُ فلان بن فلان.
أيُّ حالٍ هذه؟! حُرمةُ المُسلِم تُنتَهك، وسرُّه يُذاع، وذنبُه يُشاع، وعِرضُه يُباع، مرتعٌ وخيم، وعملٌ ذميم، عمَّ وطمَّ، ولم يقتصِد أذاه على المفضوحِ وحده؛ بل ربما تعدَّاه إلى أسرته، وعشيرته، وقبيلته، وبلده ومُجتمعه، وربما أُخِذ البريءُ بجريرةِ المُجرِم، والنقيُّ بخطيئةِ العاصِي.
بل صارت تلك الأفعال سببًا للطعن في أهل الإسلام، وتشويه سُمعتهم، والنَّيل من عقيدتهم ودينهم وبلادهم، وتصغيرها وتحقيرها بين الأمم.
فاتقوا الله - أيها المسلمون -، وأظهِروا محاسِنَكم، أظهِروا قِيَمكم، أظهِروا شِيَمكم، وانشُروا برَّكم وخيرَكم وإحسانكم، وكفُّوا عن هذه المسلِك المُردية، والأفعال الشائِنة.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والبيِّنات والعِظات والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس