عرض مشاركة واحدة
قديم 10-13-2011, 05:34 PM   رقم المشاركة : 16

 

.

*****


قول تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) [الدخان:29]

يقول الشيخ بن باز رحمه الله: ذكر العلماء في هذا أنه ليس لهم أعمال صالحة ، وأن السماء والأرض تبكي إذا فقدت الأعمال الصالحة من أهل الخير ، أما هؤلاء لا خير فيهم وليس لهم أعمالاً تصعد ولهذا لا تبكي عليهم السماء ولا الأرض لعدم أعمالهم الطيبة "نسأل الله العافية "


الحقيقة أن الوالد الدكتور سعيد وفقه الله لم يترك لنا ما نقدمه ولذلك سنخرج عن المألوف بمشاركة في نسق البكاء وأنواعه وألوانه وفنونه وجنونه وفي هذا يقول: كُثيٍر عزّة وهو يبكي حبيبته عزّة

خليليَّ هذا ربعُ عُزَّة فاعقلا = قلوصيكُما ثمّ ابكيا حيثُ حلَّتِ
ومُسّا تراباً كَانَ قَدْ مَسَّ جِلدها = وبِيتاً وَظِلاَّ حَيْثُ باتتْ وظلّتِ
ولا تيأسا أنْ يَمْحُوَ الله عنكُما = ذنوباً إذا صَلَّيْتما حَيْثُ صَلّتِ
وما كنتُ أدري قبلَ عَزَّة َ ما البُكا = ولا مُوجِعَاتِ القَلبِ حتَّى تَوَلَّتِ

إلا أن الشاعر جرير له لونٌ آخر فهو يقول حين يبكي عمر بن عبدالعزيز رحمه الله

وَالشَّمْسُ كَاسِفَةٌ لَيْسَتْ بِطَالِعَةٍ = تَبْكِي عَلَيْكَ نُجُومَ اللَّيْلِ وَالقَمَرَا


وقد تفنَّن الشعراء في إسناد البكاء إلى أشياء مختلفة باختلاف ألوانه وصفات المبكي عليهم ومن ذلك أن جعلوا المنابر تبكي لفقد الفصحاء فقال أبو واثلة:

بَكَى المِنْبَرُ الغَرْبِيُّ إِذْ قُمْتَ فَوْقَهُ = فَكَادَتْ مَسَامِيرُ الحَدِيدِ تَذُوبُ


أما بكاء مالك بن الريب على نفسه مختلف باختلاف :

تَذَكَّرْتُ مَنْ يَبْكِي عَلَيَّ فَلَمْ أَجِدْ سِوَى = السَّيْفِ وَالرُّمْحِ الرُّدَيْنِيِّ بَاكِيَا
وَأَشْقَرَ خِنْذِيذٍ يَجُرُّ عِنَانَهُ = إِلَى المَاءِ لَمْ يَتْرُكْ لَهُ الدَّهْرُ سَاقِيَا

إلى أن قال:

وَبِالرَّمْلِ مِنِّي نِسْوَةٌ لَوْ رَأَيْنَنِي = بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَ الطَّبِيبَ المُدَاوِيَا
فَمِنْهُنَّ أُمٌّ وَابْنَتَاهَا وَخَالَتِي = وَبَاكِيَةٌ أُخْرَى تَهِيجُ البَوَاكِيَا

ولبيد استحضر البكاء ووَصَفه وحدَّد أمدَه بقوله وهو يُوصِي ابنتيْه:

فَإِنْ حَانَ يَوْمًا أَنْ يَمُوتَ أَبُوكُمَا = فَلا تَخْمِشَا وَجْهًا وَلا تَحْلِقَا شَعَرْ
وَقُولا: هُوَ المَرْءُ الَّذِي لا صَدِيقَهُ = أَهَانَ وَلا خَانَ الأَمِيرَ وَلا غَدَرْ
إِلَى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُمَا = وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كَامِلاً فَقَدِ اعْتَذَرْ


وكما بكى الجميع فجبل التَّوْبَاد بكا مع مجنون ليلي
وجبل التَّوْبَاد يقع شمال غرب محافظة الأفلاج بمسافة (47 كم) وتسمى الأفلاج كذلك بليلى نسبة إلى ليلى العامرية معشوقة ابن عمها قيس وهما من قبيلة بني جعدة

وَأَجْهَشْتُ للتَّوْبَادِ حِينَ رَأَيْتُهُ = وَهَلَّلَ لِلرَّحْمَنِ حِينَ رَآنِي
وَأَذْرَيْتُ دَمْعَ العَيْنِ لَمَّا رَأَيْتُهُ = وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَدَعَانِي
وَقُلْتُ لَهُ أَيْنَ الَّذِينَ عَهِدتُهُمْ = حَوَالَيْكَ فِي عَيْشٍ وَخَيْرِ زَمَانِ
فَقَالَ مَضَوْا وَاسْتَوْدَعُونِي بِلادَهُمْ = وَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْقَى عَلَى الحَدَثَانِ
وَإِنِّي لأَبْكِي اليَوْمَ مِنْ حَذَرِي = غَدًا فِرَاقَكَ وَالحَيَّانِ مُؤْتَلِفَانِ


ولكي يكتمل جمال صورة البكاء في الشعر لا بد من الاستمتاع بقول أبو فِراس:

أَقُولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبِي حَمَامَةٌ = أَيَا جَارَتَا لَوْ تَعْلَمِينَ بِحَالِي
مَعَاذَ الهَوَى مَا ذُقْتِ طَارِقَةَ النَّوَى = وَلا خَطَرَتْ مِنْكِ الهُمُومُ بِبَالِ
أَيَحْمِلُ مَحْزُونَ الفُؤَادِ قَوَادِمٌ = عَلَى غُصُنٍ نَائِي المَسَافَةِ عَالِ
تَعَالَيْ تَرَيْ رُوحًا لَدَيَّ ضَعِيفَةً = تَرَدَّدُ فِي جِسْمٍ يُعَذَّبُ بَالِ
أَيَضْحَكُ مَأْسُورٌ وَتَبْكِي طَلِيقَةٌ = وَيَسْكُتُ مَحْزُونٌ وَيَنْدُبُ سَالِ
لَقَدْ كُنْتُ أَوْلَى مِنْكِ بِالدَّمْعِ مُقْلَةً = وَلَكِنَّ دَمْعِي فِي الحَوَادِثِ غَالِ

وختاماً:
في بكاء الفرح تقول الدكتورة هيفاء اليافي

* يكثر البكاء في أيام الفرح والأعياد.. كتعبير كبير.. ينبع من أعمق المشاعر..
ولبكاء الفرح فوائد تتفوق على بكاء الحزن..
فهو يغسل الغضب.. يريح القلب.. يحل محل كلمات الشكر والعرفان..
يخلق التعاطف من الآخرين.. له قدرة عجيبة على مخاطبة الروح بنقاء..
يستفز قدرات اللاوعي الكامنة..
ويعطيك الحكمة.. في غربلة المشاعر الصادقة الأمينة من مزاعم المشاعر..
شرط أن تكون تلك الدموع حقيقية وليست دموع تماسيح!.
* معلومات مهمة.. يقولون إن الرجل الذي لا يبكي.. ليس إنسانا..
* وأن الذين يبكون كثيرا.. هم أكثر سعادة من الذين يكبحون جماح أجمل القطرات في أحلى الأوقات!.

أجمل تحية وتقدير واحترام للوالد الدكتور سعيد وللأخ العزيز أبو ياسر الذي نقل لنا وأمتعنا

*****

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس