الحلقة رقم 21
عدت من الطائف إلى الرياض براً برفقة زميلين لي من قبيلة عتيبة يمتلك أحدهما سيارة من نوع مازدا سيدان صفراء اللون أشبه ماتكون بالتاكسي لكنه على أية حال أفضل منا فهو يمتلك سيارة ونحن لا نمتلك وكنا على موعد من المرجع لتوجيه كل منا للعمل في منطقته بعد رحلة عسير ولذا لم يكن لأي منا سكن في الرياض إلا من كان له قريب أو صديق يأوي إليه فثقافة السكن في الفنادق لم تكن منتشرة وحتى لو كانت كذلك فالرواتب حينها ضعيفة لاتكاد تفي بالغرض وهي لم تصرف بعد كوننا خريجين جددا .
كان المنقذ لي كالعادة والدي الحنون ( محمد بن شويل ) متعه الله بالصحة والعافية فقد سلمني مفاتيح إحدى الفلل التابعة لإدارته بالناصرية للسكن فيها حتى تتضح لي الرؤيا . سكنت أنا وصاحب السيارة في تلك الفيلا أما رفيقنا الثالث فكانت له أخت في الرياض سكن عندها ،
صمنا أول ثلاثة أيام من رمضان في تلك الفيلا حيث كنا نذهب وقت الدوام للمديرية لمعرفة الجديد عن التوزيع ثم نعود بعد العصر للنوم فيها ومن ثم الذهاب إلى قهوة أمام مبنى كلية قوى الأمن قبل المغرب للإفطار ( كانت القهوة الوحيدة التي تقدم وجبة الإفطار في رمضان بسعر معقول ـ تمر وسنبوسك وشوربة إضافة إلى القهوة العربية ـ ويمكن أن يطلق عليها مصطلح وجبة ـ مجازا ـ وإلا فإنها ... يالله لك الحمد .. ) ولو كان هناك غيرها حتى ولو كان في الخرج لما ترددنا في الذهاب إليه ليس كرها في الأكل ولكن كرها في طيب الذكر الذي مازلنا حديثي عهد به مبنى الكلية وما جاوره ...! لكن ... وماحيلة المضطر إلا ركوبها ... ! وللمعلومية كنا نعود لتناول وجبة السحور فيها لنفس السبب ( قلة ذات اليد ) .
في اليوم الرابع من رمضان صدر قرار التوزيع وإذا به يتضمن تعييني بالمديرية العامة في الرياض أما زميليّ ( العتبان ) فكان تعيينهما في مدينة جدة ... المدينة التي اعشقها بجنون !! ياللمفارقات العجيبة ، علمت فيما بعد أن صاحب السيارة ذهب إلى المسؤول عن التعيين في بيته دون أن يخبرني ( وطاح عليه ) بلهجة العتبان ليحقق له هذه الرغبة وأنا ياغافل لك الله !! ( نذالة !! ـ صدق اللي قال ـ ترجع لجدودها ولو قَرَحت ! أليس كذلك ؟! )
صدمة كانت أعنف لي من صدمة فتح خطاب التعيين التي تحدثت عنها من قبل ..وضربتين في الرأس توجع .
وياليت أغنية طلال المداح رحمه الله ( لملم جروحك وانسحب ، مالك نصيب في اللي تحب ) قد ظهرت في ذلك الوقت لربما كان في ترديدي لها ما يخفف عني وقع الصدمات العنيفة المتتالية !!
ـ الناصرية ـ لمن لايعرفها حي راقٍ ـ وخاص ـ كبير وكبير جدا كان يقطنه الملك سعود رحمه الله وأصبح فيما بعد مقرا للضيافات الحكومية وليس به حينها محلات تجارية ولابقالات أو اسواق أو مطاعم ولذا لم تكن تتردد عليه سيارات الأجرة آنذاك إلا فيما ندر ومن أجل ذلك تجد صعوبة قصوى في التنقل داخله أومنه في الوقت الذي تشاء مالم تكن لديك سيارة تحت تصرفك أو تخرج للبحث عنها قبل مشوارك بوقت كاف ، وفي حال خدمتك الظروف وحصلت على سيارة أجرة فإن سائقها في الغالب يطلب منك من الأجر مالا يطلبه من غيرك خارج الحيّ لمعرفته بأنك مضطر للخضوع لطلبه والا فلن تجد سيارة إلا بعد فوات الأوان .
هذه مقدمة أردت من خلالها تبصير المتابع بصعوبة موقفي بعد مغادرة زميلي صاحب السيارة إلى جدة وتركي وحيدا بدون سيارة وبدون رفيق حتى وإن كنت في سكن ذا خمسة نجوم ( فجنة بلا ناس ماتنداس ) على رأي صاحب المثل وقد صدق والله فيما قال ، فما بالكم بمن كان إلى جانب وحدته تلك مكلوما ؟!
نتابع في الحلقة القادمة ... كيف كنت بعد مغادرة صاحب السيارة أذهب إلى عملي وكيف أعود منه ؟ ولماذا كنت أتناول فطور يوم رمضان في بعض الأحيان بعد صلاة العشاء بوقت طويل ؟ وماهي ردة فعل الوالد الحنون محمد بن شويل أطال الله عمره على الطاعة على كل ذلك ؟!