نوادر أبو سالم مع الحيوان: العنـز
بقلم : عبدالعزيز مشري
للشاعر في القرى مقام المحسود، وله الموضع المذكور عند الصبايا ، وله مناعة القول، وله في شدة المناسبات حكم الفصل وطاعة القاضي.. فلم لا يكون أبو سالم شاعراً ؟
ولم لا يفرط في هذه الأمنية بين يدي الجماعة بين حين وحين ؟
قالوا، نتسلى بإيهامه .
وقالوا علها تصيب، وعلها تخيب، فإن صابت فما أسهلها علينا ن وإن خابت فما أصعبها عليه.
أشاروا عليه ، أن شياطين الشعر لا تأتي كل من يرغبها .. لكنها قد تجيء لمن يطارح وحدته معها في الليل بقفر بعيد عن المساكن، على أن يذبح لها عنـزة ، يمرغ دعوتها بدمها .. يخلع جميع ملابسه ويقعد إلى جانبها .. عاريا كما خلقه الله .
تناطحت الظنون بخاطر أبو سالم ، ووازن بين الرغبة والمخاطرة ، وكان الخوف من جن الليالي المغدرة ، ينمو مع كل الأهالي منذ الطفولة، وكذا نما مع أبو سالم إلى جانب عشقه للشاعرية .
غيرة أنه عزم ، وكان إذا عزم قبض على دلدول لحيته ، وجذبها بعنف بسيط حتى تنجذب انفرادة الشفة السفلى .
فاختار عنزة سوداء من بين القطع ، وأركبها كتفيه، فتدلت أطرافها عن اليمين، وعن الشمال، وبدأ رأسها بقرنيه وأذنيه الهاطلتين كالخرق الخاملة .
وعلى حين نوم الناس بعد صلاة العشاء، وهب قدميه للفيافي البعيدة التي لا يحدها سوى شبح الجبال في الظلام .
أنزل العنـزة عن كتفيه على مهل ، وكأنه يسكب سمناً من القربة، لكن هدوء انسيال السمن في القرب، ليس كالزمامير النافرة من لسان العنـزة وسط الفيافي في الليل .
شحذ سكينه على حافة صخرة بارزة، وفرك بحدها رقبة العنـزة فخرخر الدم، وتدافعت أطرافها الأربع في الفضاء الرحب طويلاً .
لم يفصل الرأس عن الجسد؛ حتى استوى منتصباً كالجذع، وخلع ملابسه واحدة بعد واحدة، .. ثم قعد متكئاً إلى الصخرة منتظراً شياطين الشعر حتى الصباح .
علم الأهلون أن الغداء على ذبيحة عند أبو سالم وقالت زوجته، أنه جاء بها مذبوحة، وتعب في سلخ جلدها الذي برد على لحمها في الليل، وأن الحمى تهز أوصاله .
وكان أبو سالم يمضغ قطعة متجلدة من لحم العنـز، يبتلعه كما الحنظل في صمت جارح لا يعرف معناه إلا هو .