الحلقة الثالثة :
وقع خبرعزم وزارة المعارف إفتتاح معهد لإعداد المعلمين في الباحة عليّ وقع الصاعقة على عكس أبي، فبورود الخبر تبخرت أحلام اليقضة التي كنت اعيش فيها وبدأت ملامح الصورة المخملية التي رسمتها لحياتي المستقبلية في مدينة الطائف تتوارى ولم يكن لي مفر من التكيف مع الواقع المرّ فحزمت حقائبي وتوكلت على الله وذهبت لاستلام إستمارة التخرج التي فاجأتني بنجاحي ( جوازاً ) فكانت صفعة أخرى إلى جانب الأولى وجدت حرارتها في كبدي .
لم تكتب للمعهد الجديد الولادة بعد فلم يكن له مبنى ولا موظفون والتقدم للإلتحاق به يتم في دهاليس إدارة التعليم بالمنطقة والتي انكب عليها الطلاب من كل حدب وصوب حتى ضاقت بهم جنباتها والأفنية المحيطة بها ومر أسبوع تبعه آخر فثالث والطلاب يذرعون ممرات إدارة التعليم ذهابا وإيابا دون وجود كلمة صادقة من مسؤول تريحهم من إتباع السراب فمعظمهم قدم من قرى نائية وبعيدة وهو مستأجر سكنا رغم قلة ذات اليد ويتناول وجباته في المطاعم ولا يدري ما إذا كان مقبولا أم لا ؟وهل سيفتتح المعهد بالفعل أم أن الأمر برمته خدعة ؟
الدراسة في بقية المراحل التعليمية قد انتظمت وقارب الشهر الأول من بدايتها على الأفول ولم تلح بارقة أمل للطلاب الذين تقدموا بملفاتهم إلى المعهد بقرب انفراج الأزمة فتجمهرالكثير منهم أمام مبنى الإدارة وقام آخرون بجمع مبالغ مالية من بعضهم البعض لدفع تكاليف برقيات شكوى يعتزمون رفعها للوزارة ( في هذا الموقف عرفت جرأة الزهارين وشجاعتهم ومدى اقدامهم ) وكثر الهرج والمرج في مظهر لم نكن نألفه ، وبعد مرور مايقارب خمسة وثلاثون يوما على إنتظام الدراسة في بقية المناحي التعليمية الأخرى جاء وفد من وزارة المعارف للبدء في فرز ملفات المقبولين،
فلم يظهر لي إسم في القائمة !
راجعت الأستاذ عبدالله العبادي رحمه الله فهو الشخص الوحيد الذي اعرفه في إدارة التعليم وبعد أن تقصى الخبر جاء ليقول لي بأن نسبتك لاتؤهلك للقبول بالمعهد فقد كانت أقل من المعدل المطلوب ببضع درجات !
صفعة ثالثة لم تخطر لي على بال !!!!
تواريت عن الأنظار في مكان منعزل لأني لم اذق طعم الفشل في أي مرحلة من مراحل تعليمي وانخرطت في نوبة بكاء شديد فقت بعدها لأبدأ التفكير ،
ماذا أفعل ؟ وإلى أين أتجه ؟ وماذا أقول لأبي ؟ ومن سيستقبل ملفي سواء في الثانوية العامة أو في غيرها بعد مرور شهر وخمسة أيام على بدء الدراسة ؟
أسئلة كثيرة تواردت على ذهني لم اجد لأي منها إجابة حتى فوجئت بخروج الموظفين من مكاتبهم إيذانا بانتهاء الدوام .