![]() |
"الأذكيـاء"
"الأذكيـاء" قدم رجل إلى بغداد في طريقه إلى الحج . وكان معه عقد يساوي ألف دينار . فاجتهد في بيعه فلم يجد له مشتريا . فجاء إلى عطار موصوف بالخير ، فأودعه إياه . ثم حج وعاد ، وأتاه بهدية . فقال له العطار : من أنت ؟ وما هذا ؟ فقال : أنا صاحب العقد الذي أودعتك . فما كلّمهُ حتى رفسه العطار رفسة رماه عن دكانه . وقال :أتدعي علي مثل هذه الدعوى ! فاجتمع الناس وقالوا للحاج : ويلك ! هذا رجل خير . ما وجدت من تدعي عليه إلا هذا ؟! فتحير الرجل ، وتردد إليه ، فما زاده إلا شتما وضربا . فقيل للحاج : لو ذهبت إلى عضد الدولة ( عضد الدولة : سلطان بويهي ضم العراق وفارس في دولة موحدة انحلت بعد وفاته بسبب الخلاف بين أبنائه سنة 983 م ) ، فله في هذه الأشياء فراسة . فكتب الحاج قصته ، ورفعها إلى عضد الدولة . فصاح به فجاء . فسأله عن حاله ، فأخبره بالقصة . فقال عضد الدولة : اذهب إلى العطار بكرة ، واقعد على الدكة أمام دكانه . فإن منعك فاقعد على دكة تقابله من الصبح إلى المغرب ، ولا تكلمه . وافعل هكذا ثلاثة أيام ، فإني أمر عليك في اليوم الرابع ، وأقف ، وأسلم عليك ، فلا تقم لي ، ولا تزدني على رد السلام وجواب ما أسألك عنه . فجاء الحاج إلى دكان العطار ليجلس فمنعه ، فجلس بمقابلته ثلاثة أيام . فلما كان في اليوم الرابع ، اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم . فلما رأى عضد الدولة الحاج وقف ، وقال : سلام عليكم ! فقال الحاج دون أن يتحرك : وعليكم السلام . قال عضد الدولة : يا أخي ، تقْدُم إلى بغداد ، فلا تأتي إلينا ، ولا تعرض حوائجك علينا ؟! قال الحاج : كما اتَّفَق ! كما اتفق : هكذا كان ولم يشبعه الكلام ( لم يشبعه الكلام : لم يطل الكلام معه ) وعضد الدولة يسأله ويهتم ، وقد وقف ووقف العسكر كله والعطار قد أغمي عليه من الخوف . فلما انصرف الموكب التفت العطار إلى الحاج فقال : ويحك ! متى أودعتني هذا العقد ؟ وفي أي شيء كان ملفوفا ؟ فذكرني لعلي أذكره ! فقال : مِن صفته كذا وكذا . فقام العطار وفتش ، ثم نقض جرة عنده فوقع العقد . فقال :قد كنت نسيت . ولو لم تذكرني في الحال ما ذكرت ! من كتاب أخبار الأذكياء لابن الجوزي :::::::::::: |
الساعة الآن 08:49 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir