ساحات وادي العلي

ساحات وادي العلي (http://www.sahat-wadialali.com/vb/index.php)
-   ساحة الصحافة والمجتمع (http://www.sahat-wadialali.com/vb/forumdisplay.php?f=83)
-   -   لن أركب هذا الباص (http://www.sahat-wadialali.com/vb/showthread.php?t=16996)

احاسيس 04-03-2012 11:33 AM

لن أركب هذا الباص
 
لن أركب هذا الباص

ثريا الشهري

طالب سعودي مبتعث إلى كندا، أراد السفر من مدينته إلى أخرى للضرورة، فلم يجد مقعداً شاغراً بالباص، فكان الحل بعد قطع التذكرة أن يقف مدة الرحلة، فلم يكن أمامه لدقة ظرفه سوى الموافقة، ليقضي أول المسافة على قدميه، ونصفها الثاني على درج الباص الداخلي، ولكنه بحث عن المشرف عند مغادرة القطار ووصوله إلى المحطة، فوجدها امرأة، فشرح لها شعوره بالظلم لدفعه المبلغ كاملاً لمقعد لم يستخدمه، فكيف تصرفت المسؤولة؟ ناولته تذكرة الإياب مجاناً في لفتة تعويضية، وكان بإمكان السيدة ألاّ تتعاون مع الطالب ولا تتفهّم وضعه، لعلمه بالشرط منذ البداية، ولكنها لم تفعل، فكسبت بإنسانيتها التعامل الحضاري من جهة، ورفعت من سمعة المؤسسة الناقلة من الجهة الأخرى.
هذه الحكاية قصتها عليّ والدة الطالب المتعجِّبة من تصرف ابنها، فهذا الفتى في العادة غير مبال إلى درجة الاستهتار بحقوقه وبالآخرين، «ولكنه قد تغيّر عندهم، ولا سيما في ما يتعلق بمسألة حقه واحترام الآخر لهذا الحق» على حد وصف أمه، التغيير الذي لزمه احترام حقوق الغير بالمقابل، مجّبراً أم مخيّراً، لا يلغي النتيجة ذاتها، تحترم نفسك وغيرك فيحترموك، لا تتنازل عن حقك وتطالب به فيتفهّموك، أمّا تعليقي فيتجه إلى صالح الموظفة قبل الطالب لتحملّها كامل المسؤولية، فإن قيل إنه عملها، فالسؤال حينها: وماذا عن مشرفينا؟ فعند تظلّمك لدى موظفينا، فلا أسهل عليهم من التملص وإنهاء الموقف الذي أزعج يومهم سوى أن يجيبوك بعبارة واحدة تتكرر مع كل موقف باختلاف المكان والزمان: «والله هذه هي أوامر الإدارة!»، وقد يكتسي الوجه بعض تعابير التعاطف، وكأنه يفهمك تماماً، ولكن... ماذا بيده؟! فهو موظف وهذه القوانين، وكأن ثقافتنا العربية تعترف بالقوانين من أساسها! إنما هكذا نحن! نستدعيها عند اللزوم، وننساها عند اللزوم.
يقول الناقد يحيى حقي عام 1963: «لا ينكر الغربي أن مقابل كلمة «معليهش» موجود في لغته، ولكن الذي يستخدمها ليس هو المحقوق بل صاحب الحق، الذي له أن يُستقضى حقه، وله أن يصالح عليه، وله إن شاء أن يتنازل عنه قائلاً «معليهش»، فهي ليست للهرب من المسؤولية بل لقبول العذر، أمّا عندنا فهي عيب وتهمة، لأن الذي يستخدمها عادة هو المحقوق لا صاحب الحق»، وطبيعي حين تعرف مسبقاً أنك ستقابل بالابتسامة البلهاء لمجرد أنك طالبت بحقك تلحقها عبارات على شاكلة: عوضك على الله، أو الصبر طيب، أو «معليهش»، وكأنها تدفعك إلى تمزيق أجندتك، وتحطيم ساعتك ومنطقك، ليبقى كل موقف في حياتك عائماً غير مكتمل، حين تعرف مسبقاً كل هذا، وقد يزيد عليه أن تتحول من صاحب حق إلى محقوق، فإلى أي حد يصل مستوى حماستك للمطالبة بحقك؟ أكاد أسمع الإجابة، لذلك نحن نتعود على اختصار طريق معاناتنا بالتنازل، فلا مشرفة قطار تراعي ظرفنا، ولا تعويض يطيب خاطرنا سوى «تسكيتة» نرددها: إنه الثمن الذي علمّنا الدرس: لن نركب هذا الباص ثانية.


الحياة


الساعة الآن 07:50 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir